الدين البهائي
"لتكن رؤيتكم عالمية ..." -- حضرة بهاء الله
"لو رزقت قليلًا من زلال المعرفة الإلهيّة لعرفت بأنَّ الحياة الحقيقيّة هي حياة القلب لا حياةُ الجسد ..." -- حضرة بهاء الله
"إن دين الله ومذهب الله يهدف إلى حفظ واتحاد واتفاق العالم والمحبة والألفة بين اهل العالم." -- حضرة بهاء الله

الخدمة

مثلما يكون الفوران والدفق من طبيعة النبع وسماته، هكذا خلقت الروح الإنسانية على فطرة الكرم والسخاء الذي يعد من الفضائل الإلهية الكامنة فيها عندما نفخ الله فيها من روحه. وخير ميدان يتجسّد فيه الكرم والبذل والعطاء هو "الخدمة"، وهو ميدان تُمارس فيه جميع الفضائل الإلهية متجسّدة في أعمال إنسانية نبيلة. وهذا ما يجلب السعادة الروحية الحقيقية ويُشعره بالرضاء لمن يجول فيه باحثًا عن فرص لإسعاد الآخرين وإدخال السكينة إلى قلوبهم. فما أجمل أن يجد المجتمع الإنساني معنى لوجوده في حياة زاخرة بالخدمة ننفق فيها ما نجود به من راحتنا وطاقتنا ومعرفتنا ومواردنا من أجل راحة الآخرين وتحسين أوضاعهم، والمساهمة في بناء عالم إنساني مادي وروحي أفضل!


لا شك أن واقع حياة كل منا تشكله ظروف مختلفة عن الآخرين، إلا أن هناك عامل مشترك بين الجميع هو الرغبة والإرادة التي تنبع من كينونة الفرد في استغلال هذه القدرات مهما كانت، بغض النظر عن العمر والوضع الاجتماعي.


فميدان الخدمة مجال مقدس يوفر لنا طيفًا لا حدود له من العلاقات والتفاعل مع الآخرين ضمن أفراد الأسرة والمجتمع بل والبيئة من حولنا تكون فيها روح العطاء والتضحية مشرقة بأجلى صورها.


لا أبواب محدودة للخدمة، هذا ما تؤكده الآثار البهائية، ففي كل لحظة من حياتنا مجال للخدمة. فيتفضل حضرة عبد البهاء "اسعوا ليلاً نهارًا في تنوير أهل العالم وخدمته، اهدوا الخلق للخالق، كونوا آباء حنونين للأيتام، وملجأً للمساكين. كونوا كنز الغنى للفقراء، وشفاءً للمرضى. كونوا نصراء لكل مضطهد ومساعدين لكل محروم. كونوا سبباً لسرور كل مهموم وأبهجوا كل محزون" ويتمنى حضرته أن يكون كل منا بمثابة رحمة الخالق للخلق وموهبة المغفرة والتسامح للعالمين، ومنبع الخير لكل عابر سبيل.


في الخدمة المجرّدة عن المنافع الذاتية تنكشف القدرات والمواهب الفطرية، وتتشكل عادات ومواقف وتوجهات عقلية وعاطفية سليمة تتطور مع الفرد وتُصقل مع ترقيه في سلم الخدمات، وتؤثر في الآخرين وتدخل في اتخاذ قرارات هامة في حياته الأساسية مثل الزواج وتكوين الأسرة والتعلُّم والسلوكيات وتنمية قدراتنا في التغلب على مشاكل الحياة اليومية، وما يتعرض له المجتمع من محن وكوارث طبيعية. إن فهم معنى الخدمة وإدراك قيمتها في التطور المادي والروحي هو العامل الأساس في الوعي باحتياجات المجتمع وما ينقصه، وهو الدافع الكبير نحو التطور والتغيير الذي هو من سُنَّة الحياة. هنا يبدو العالم جميلاً متحدًا تسوده العدالة والأمان.


إن الزاد الأساسي الذي يلزمنا في طريق الخدمة هو "التواضع والتجرّد عن أي قصد سوى خدمة الله". فلا سعي وراء شهرة أو مكانة أو ثواب. وطالما أنه ميدان مقدس فلا احتساب فيه لقدراتنا المحدودة، فلنسر فيه بكل ثقة بأن يد الله معنا تمدّنا بالعون والرشاد طالما نحن نسعى في كسب مرضاته. عندها لا يمكن تخيّل مدى القدرات الجديدة التي تتولد لدينا تدفعنا في سلوكيات تضعنا على سلّم التطور والترقّي دائمًا. فطالما امتلأت قلوبنا بمحبة الله ومحبة خلقه تجلى فينا البذل والعطاء التلقائي بأفضل صوره في كل حياتنا وعلاقاتنا.


%
تقدم القراءة
- / -