الدين البهائي
"لتكن رؤيتكم عالمية ..." -- حضرة بهاء الله
"لو رزقت قليلًا من زلال المعرفة الإلهيّة لعرفت بأنَّ الحياة الحقيقيّة هي حياة القلب لا حياةُ الجسد ..." -- حضرة بهاء الله
"إن دين الله ومذهب الله يهدف إلى حفظ واتحاد واتفاق العالم والمحبة والألفة بين اهل العالم." -- حضرة بهاء الله

من آثار حضرة بهاء الله الكتابية


تعريف بالالواح المنزلة – مجموعة من الواح حضرة بهاءالله (نزلت بعد كتاب الاقدس) – الصفحة 'ا'


تعريف


تشكّل هذه المجموعة من الألواح المباركة كنزاً ثميناً يضاف إلى ما تحتويه المكتبة البهائيّة باللّغة العربيّة من آثار لحضرة بهاءالله. فالجلال والعظمة والرّوعة الّتي تحيط بحياة المظاهر الإلهيّة، ونشاهدها إبّان الفترة القصيرة لوجودهم الدّنيويّ، لا يمكن أن تدرك على حقيقتها فقط عبر الأحداث التي تتكوّن منها حياتهم الطّاهرة، بل تبرز جليّةً في الأثر المحيّر الذي تتركه في نفوس البشر، هذا الأثر الذي يستمرّ في تفاعله عبر حقب طويلة من الزّمان ويمتدّ إلى كلّ مكان عن طريق الكلمة الخلاّقة التي تصبح الصّلة الوثيقة لارتباطنا بالمظهر الإلهيّ رغم صعوده إلى رحاب الملكوت الأعلى. فالمظهر الإلهيّ بمثابة المثل الأعلى لحضارة الإنسان في كلّ مكان، تتخطّى الحاضر لتسبر غور المستقبل ولتحفظ مجاهل الماضي البعيد. فالمظهر الإلهيّ هو الرّابط بين فترة وفترة من فترات التطوّر الإنسانيّ بدونه ينعدم الارتباط بين الأشياء، فهو الذي يبعث قوى روحيّة عميقة في الإنسانيّة، وعن طريق هذا المظهر الذي يتجسّد في الكلمة الّتي يأتي بها روحاً ونصّاً، يمكن للإنسان من أن يُولَدَ «ولادةً ثانية» أو «أن يبعث حيّاً» من جديد.


هذه المجموعة الّتي تحتوي تلك الكلمة الخلاّقة توحي إلينا بكلّ المبادئ الإنسانيّة العليا والمثل الرّوحية السّامية التي جاءت بها رسالة حضرة بهاءالله، ولا نجد وصفاً لشمولها وخلاّقيتها وشرحاً لمضامينها وحدود آثارها أدقّ وأوفى من ذلك السّرد الشّيّق الذي جاء في كتاب God Passes By لحضرة وليّ أمرالله المحبوب شوقي أفندي رباني إذ يتفضل قائلاً ما تعريبه:


"بعد أن صاغَ حضرة بهاءالله شرائع دورته الأساسيّة في كتابه «الأقدس»، أعلن بعض المبادئ والتّعاليم التي تشكّل جوهر دينه، وكانت حينئذٍ مهمّته تقترب من نهايتها. من ذلك أَنَّه نبّه من جديد إلى ضرورة تفهّم الحقائق التي أعلنها من قبل، وهذّب بعض الأحكام الّتي صاغها وأوضحها وكشف عن نبوءات وإنذارات أخرى، وسنّ بعض الشّرائع الفرعيّة استكمالاً لمطالب «الكتاب الأقدس». وهذا ما حملته أَلواح تجلّ عن الحصر والعدّ، ظَلَّ ينزلها حتّى أواخر أيّامه على هذه الأرض: من أهمّها «الإشراقات» و«البشارات» و«الطّرازات» و«التّجليات» و«الكلمات الفردوسيّة» و«اللّوح الأقدس» و«لوح الدنيا» و«لوح مقصود». وكانت هذه الألواح هي آخر ما فاض من قلمه الدّائب الّذي لا يكلّ. وهي تحتلّ مكانتها بين أينع ما أنتجته عقليّته من ثمار، وتشير إلى اكتمال مهمّته التي دامت أربعين عاماً.


وأهمّ المبادئ في تلك الألواح على الإطلاق مبدأ وحدة الجنس وكليّته. وهو المبدأ الذي يعتبر بحقّ علامة ظهور حضرة بهاءالله الفارقة وقطب تعاليمه البارز. وقد بلغ من أهميّة هذا المبدأ أن نصّ عليه في «كتاب عهده» كما أعلن – بلا تحفّظ – أَنّه هو جوهر دينه فهو يقول: «قد جئنا لاتّحاد من على الأرض واتّفاقهم»، ويقول مرّة أخرى: «إنّ آفاق العالم تنير بأنوار الأمر ما دام الاتّفاق»، ويكتب حضرة بهاءالله مشيراً إلى هدف ظهوره فيقول: «نطقنا بلسان الشّريعة حيناً، وبلسان الحقيقة والطّريقة حيناً آخر، إلاّ أنّ مقصدنا الأقصَى، وغايتنا القصوى، هي إظهار هذا المقام السّامي الرّفيع». ويقرّر أنّ الاتّحاد هو غاية الغايات وسلطان الآمال مؤكّداً أنّ «العالم في الحقيقة وطن واحد ومن على الأرض أهله»، وينبّه – فضلاً عن ذلك – إلى أنّ توحيد الجنس البشريّ أمر لا مفرّ منه، فهو المرحلة الأخيرة من تطوّر الإنسانيّة نحو البلوغ، وأنّه «لعمري سوف نطوي الدّنيا وما فيها ونبسط بساطاً آخر». ويعد الوعد الحقّ أنّ البشريّة سوف «ترى الأرض حاملة اليوم وعمّا قريب تشاهد أثمارها المنيعة وأشجارها الباسقة وأورادها المحبوبة ونعماءها الجَنِيَّة». ويبيّن حضرة بهاءالله قصور النّظم السّائدة ويكشف عن عدم كفاية حبّ الوطن كقوّة مرشدة ضابطة للمجتمع البشريّ ويعتبر «حبّ العالم» وخدمة مصالحه وترقيتها أكرم هدف للجهود الإنسانيّة، وأحقّها بالمدح والثناء. ويبدي ألمه لأنّ «قوّة الإيمان بالله تموت وتضمحلّ في كلّ بلد» وأنّ «وجه العالم يتّجه إلى الغفلة واللاّدينية» معلناً أنّ «الدّين هو النّور المبين والحصن الحصين لحفظ أهل العالم وراحتهم» وأنّه «السبب الأتمّ لنظم العالم». ويعود فيؤكّد أنّ الغاية الأساسيّة من الدّين هي ترويج الاتّحاد ونشر الوئام بين النّاس، ويحذر النّاس من أن يجعلوه سبباً للفرقة وللخلاف. ويوصي أيضاً بأن تعلّم مبادئه للأطفال في المدارس على نحو لا يغرس روح التّعصب ولا التحيّز في البشر، وينسب ضلال المارقين إلى اضمحلال قوّة الدين، ويتنبّأ بوقوع شدائد وأهوال «ترتعد بها فرائص العالم».


وهو لا يتحفّظ حين يدعو إلى الأخذ بمبدأ «أمن العالم» ويشجّع على أن تخفّض كلّ أمة من سلاحها، وينبّه على أن إقامة هيئة عالميّة يلجأ إليها ملوك الأرض وحكّامها لإقرار السلام بين الأمم أمر ضروريّ لا مفر منه. أما العدل فيثني عليه ويصفه بأَنّه «نور البشر» و«مربّي العالم» وأنّه «مبيّن أسرار عالم الوجود وحامل لواء المحبّة والبركة» ويعلن أنّ شعاعه فريد لا نظير له ولا قرين، وأنّ عليه يجب أن يعتمد «نظم العالم وأمن البشر» ويصف ركنيّ هذا العدل – وهما «المجازاة والمكافأة» – بأنّهما «ينبوع الحياة» للجنس البشريّ، ويوصي أهل العالم بأن يتهيّأوا ويجتهدوا انتظاراً لاستتباب هذا العدل، ذلك لأنّ شمس العدل سوف تشرق في تمام مجدها وأَوج جلالها بعد فترة من الاضطراب العظيم والظّلم الجسيم.


ويلقّن حضرة بهاءالله مبدأ الاعتدال في كلّ الأمور، ويعلن أنّه ما تجاوز شيء حدّ الاعتدال إلاّ كان له في الناس تأثير سيّء، سواء أكان ذلك الشّيء هو الحرّيّة أو التّمدن أو ما شابههما. ويلاحظ أيضاً أن التّمدن الغربيّ قد أفزع شعوب الأرض بشكل خطير، ويتنبّأ باقتراب يوم تحترق فيه المدن من ناره إن تجاوز حده.


أما الشّورى فيعتبرها حضرة بهاءالله مبدأً أساسياً من مبادئ دينه واصفاً إيّاها «بمصباح الهدى». و«واهبة الإدراك» وينعتها كذلك بأنّها أحد «نيّريّ سماء الحكمة الإلهيّة». ويقرّر أنّ العلم هو «بمثابة الجناح للإنسان والمرقاة لصعوده ويعتبر تحصيله أمراً مفروضاً على كلّ فرد. ويرى أنّ «الفنون والحِرَف والعلوم» تؤدّي إلى السّموّ لعالم الوجود. ويوصي بأن يسعى الإنسان لاكتساب الرّزق عن طريق امتهان المهن واحتراف الحِرَف. ويعترف بأنّ أمم الأرض مدينة إلى العلماء وأهل الحرف والصّناعة، وينفّر من دراسة ما لا ينفع الناس من المعارف تلك التي «تبدأ بالألفاظ وتنتهي بالألفاظ».


وفضلاً عن ذلك يؤكد حضرة بهاءالله الدّعوة بقوله: «عاشروا يا قوم مع الأديان كلّها بالرَّوْح والرّيحان» فمثل هذه المعاشرة تفضي إلى «الاتّحاد والوئام» اللّذين هما أساس النّظام في العالم والرّشاد للأمم. ويكرّر التّنبيه إلى ضرورة إيجاد لغة عالميّة، ويرثي للوقت المضيّع في تعلم اللّغات المختلفة ويؤكّد أنّه باتّخاذ هذه اللّغة وهذا الخطّ ستصبح الأرض كلّها «مدينة واحدة وصعيداً واحداً» ... وإلى أمناء بيت العدل يعهد بواجب التّشريع، فيما لم ينزل به نصّ صريح في كتاباته، ويعدهم بأنّ الله سوف يلهمهم بما يشاء. ويوصي بإقامة لون من الحكومة النّيابية تتّحد فيه مُثل الجمهوريّة العليا مع جلال الملكيّة الّتي يصفها بأنّها «إحدى آيات الله» ويصف إقامة مثل هذه الحكومة بأنّه إنجاز مجيد جدير بالثّناء، ويحضّ على أن تولى شؤون الزّراعة عناية خاصة. ويشير إشارة خاصة إلى «الصّحف سريعة الانتشار» ويصفها بأنّها «مرآة العالم» وأنّها «ظاهرة مدهشة فعّالة» ويعهد إلى القائمين على إصدارها بواجب اجتناب الحقد والضّغينة والتّعصب والتّحيّز، ويوصيهم بالتّحلي بالعدل ورجاحة العقل والتّدقيق في تحقيقاتهم والتّأكد من صحّة الوقائع في كلّ حالة.


ثمّ يوضّح حضرة بهاءالله مبدأ العصمة الكبرى، ويعيد التّنبيه على ما فرضه على أتباعه من «السّلوك نحو حكومة القطر الذي يعيشون فيه بالولاء والإخلاص والأمانة»، ويعيد التّأكيد على النّهي القاطع عن إعلان الجهاد الدّينيّ وإتلاف الكتب. ويختصّ بالمدح والثّناء رجال العلم والحكمة ويصفهم بأنّهم مثل «البصر» للبشر وأنهم «أعظم عطيّة للعالم»".

*********

تتضمن هذه المجموعة من الألواح المباركة أربعة عشر لوحاً نزّلت كلّها بعد نزول «الكتاب الأقدس»، منها خمسة ألواح نزّلت أصلاً باللّغة العربية وهي: «لوح الحكمة» و«لوح البرهان» و«لوح أرض الباء» و«لوح وفا» و«لوح أصل كلّ الخير»، وأمّا الأحد عشر لوحاً الباقية فقد نزّلت باللّغة الفارسية والعربية وهي: «الإشراقات» و«البشارات» و«الطّرازات» و«التّجليات» و«الكلمات الفردوسيّة» و«لوح مقصود» و«لوح الدنيّا» ولوح «اسم الله المهديّ» و«كتاب عهدي».


ولقد تم نشر «الإشراقات» و«البشارات» و«الطّرازات» و«الكلمات الفردوسيّة» عام ١٩٢٣ بواسطة العالم الشّيخ فرج الله زكي الكردي الذي نقل الجزء الفارسيّ منها إلى اللّغة العربية، يعاونه في ذلك العالم الشيخ أسدالله فاضل المازندراني. أما الألواح الباقية المذكورة أعلاه فقد سبقَ وتمّ نشرها ضمن مجموعات الألواح الفارسيّة التي صدرت في السّنوات الماضية، وهذه هي المرة الأولى الّتي تنشر فيها هذه الألواح في صياغة عربيّة كاملة ضمن هذه المجموعة المباركة التي يجدها القارئ بين يديه. وقد قام نفر من الأحبّاء بمهمّة الصّياغة هذه ومن ثمّ قام بتصويب المجموعة وتنقيحها لجنة متخصّصة وهي الّتي أشرفت أيضاً على إخراج الكتاب وتصميمه في حلّته الرّاهنة.


ومن أجل تمييز النّصوص العربيّة في الألواح المباركة الأحد عشر والّتي ترجمت عن الأصل الفارسيّ يجدر التّنويه بما يلي:


ما جاء في لوح الإشراقات من الصّفحة الثّالثة إلى الصّفحة العشرين كلّها نزّلت بالعربيّة، وأمّا بقية اللّوح فقد نزّل بالفارسيّة والعربيّة. النّصوص العربيّة أصلاً والمعرّبة منها تتميّز في النّصّ بنوعين من الحروف، فالحروف العريضة هي النّصوص العربيّة أصلاً، وأما ما طبعت منها بحروف رفيعة فهي معرّبة عن الأصل الفارسيّ، وقد روعي أيضاً في الألواح العشرة الباقية هذا التّرتيب تمييزاً بين النّصّ العربيّ الأصيل والنّصّ المعرّب عن الفارسيّة.


%
تقدم القراءة
- / -