مؤسسات المجتمع وقدراتها
في سبيل بناء مجتمعات محلية زاخرة بالنشاط والفعالية ومتطلعة إلى التقدم والازدهار، من الطبيعي أن أفرادها الذين إكتسبوا القدرة على المشاركة في التنمية الروحية والإجتماعية لمجتمعهم ، أن تكون لهم مؤسسات لا لرعاية شؤونهم فحسب، بل وتجد قنوات توجّه طاقاتهم وقدراتهم وتنمي مواهبهم المتنوعة وتجد الوسائل لتحفيزهم نحو الخدمة في جهود موحّدة برؤية وهدف واحد في ظل مفهوم عام وشامل لمبدأ وحدة العالم الإنساني، وما يتضمنه من مفاهيم روحانية واجتماعية وأخلاقية.
من الضروري لمن ائتُمن على مصالح العباد أن يعتبر نفسه خادمًا لمجتمعه يؤدي عمله بكل تواضع وسرور، فكل عمل يُؤدَّى بروح الخدمة يعتبر عند الله الحق بمثابة العبادة كما يخبرنا حضرة بهاء الله. ويجب أن يكون نصب أعيننا مبدأ العدالة والإنصاف في إتاحة الفرص للجميع واختيار القدرات الكفؤة للعمل دون اعتبار لأي شيء آخر. وهناك واجب تأهيل الأفراد ورفع القدرات وإزالة العقبات أمام المواهب والطاقات الكامنة حتى تنمو وتثمر وتعطي المزيد من الخدمة والعطاء بكل تفان وإخلاص. ويخبرنا حضرة بهاء الله بأن كل فرد يولد تقع مسؤولية تنمية قدراته وتمتعه بحياة كريمة على عاتق المجتمع بمؤسساته لا بل على كل فرد في العالم. هذه هي وحدة العالم الإنساني بأجلى صورها. لأجل هذا كله تسعى المؤسسات البهائية في مختلف المستويات المحلية والمركزية والعالمية في العمل مع مؤسسات المجتمع المحلية على بناء المجتمع وتنميته وازدهاره.
من المبادئ الجوهرية التي يجب أن تضعها المؤسسات في اعتبارها دومًا "مبدأ المشورة". المشورة بين الرئيس والمرؤوسين على أنهم شركاء في المسؤولية في اتخاذ القرارات السديدة الناضجة، ومشورة نزيهة بين المؤسسة وأفراد المجتمع في أمور تخص مشاريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية. فأي مشروع تشرك فيه المؤسسة أفراده الذين سينفّذوه في المشورة بالتخطيط أيضًا سيكون مدعّمًا بطاقات توّاقة للعمل والانتاج المثمر. يتفضل حضرة بهاء الله بقوله في هذا المجال" "تمسّكوا بالمشورة في جميع الأمور فهي سراج الهداية إنَّها تهدي السبيل وتهب المعرفة". وكما وردت في التعاليم البهائية: إنَّها "سماء الحكمة الإلٰهية" و"سراج الهداية" و"واهبة المعرفة" والوسيلة الوحيدة لتحقيق "الرخاء" و"الخير والصلاح" والواهبة "إدراكاً أعظم" ومحوّلة "الظن إلى يقين" و"النور المضيء الذي يهدي إلى سواء السبيل في عالم مظلم" والتي بها تظهر "موهبة الإدراك في أوجها" و"سبب الوعي والإحاطة بالأشياء" و"مصدر الخير والسعادة"( ).
إن التشاور الصادق وغير المتحيز ضروري لنجاح أي عمل جماعي . وبرغم أن المشورة مهمة جدًا في اتخاذ القرار الجماعى، فهي أيضاً وسيلة لتنسيق الآراء، وتعزيز الوحدة بين الأفراد، وتقوية روابط الثقة والمودة بين الأفراد والمؤسسات، وتطوير رؤىً جديدة في القضايا المعقدة. وتعزيز العمل المنظم والفعال. وتحافظ على التركيز بين المشاركين في العمل، وتسمح بظهور وجهات نظر متنوعة حول فهم القضية المطروحة.
يقول بيت العدل الأعظم :( يجب أن تكون المشورة البهائية بالمحبة والألفة والوحدة ، وينبغي على من يتشاور أن يُبدي رأيه بالتبتل والإشتياق لكسب التأييد الإلهي من الأفق الأبهى وأن يتكلّم بحرية واحترام ودون تشبّث في الرأي. ومن أجل تحقيق وحدة الرأي ، يجب عليه أن يستمع إلى أراء الآخرين بعناية وشغف وإنصاف .