الحياة البهائية
إن الدين البهائي، الذي يحيط بالعالم اليوم، هو نهج إلهي يدعو إلى وحدة الأديان وتأسيس السلام العالمي وإلى اتخاذ لغة عالمية. فقد حمل مؤسسوه: الباب، وبهاءالله، وعبدالبهاء، رسالة إلى البشرية من شأنها أن تحيل هذا العالم الأرضي إلى جنة روحانية ومادية غنّاء.
يؤمن البهائي بأن حضرة بهاء الله صاحب رسالة سماوية جاء هاديًا ومرشدًا للبشرية في هذا العصرلتجديد الوصال الروحاني بين الخالق والمخلوقات، وتقديم العلاج الشافي لمشاكل العصر ومتطلبات الإنسانية واحتياجاتها. كما يؤمن بجميع الأديان السماوية ويقدّس كتبها المنزّلة على أنها النهج الإلهي المستمرّ بلا انقطاع لتربية بني البشر ماديًا وروحيًا. ويسعى البهائي جاهدًا في تطبيق تعاليم دينه في حياته اليومية لتنعكس على أفراد مجتمعه في علاقات من المحبة والاحترام ومخافة الله، وفي تعاملاته التجارية وغيرها. بهذا الأسلوب من الحياة تتطور لديه جميع الفضائل الإلهية الكامنة في الروح الإنساني. ويعلمنا حضرة بهاء الله بأن العمل الذي يقدم بروح الخدمة لبني البشر يرقى إلى مقام العبادة. كما يسعى لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، وتقدير الحياة الأسرية، وتعزيز الحياة الإجتماعية، وخدمة الإنسانية، وتعليم الأطفال والشباب الناشئ وتربيتهم، والتقدم الروحاني والفكري من أجل المساهمة في إرساء السلام ووحدة البشرية، كل هذا يُعد من الجوانب المهمة في حياة البهائي.
يسعى البهائي أن يكون فردًا فعّالاً في مجتمعه يشاركه في همومه وتطلُّعاته، فينخرط في النشاطات الاجتماعية والحوارات الفكرية التي من شأنها تطوير النواحي الروحانية والمبادئ الأخلاقية التي تسمو بالمجتمع نحو آفاق جديدة من التطور الروحي والفكري لدى الفرد والمجتمع لينعكس كل ذلك على البشرية كافة حتى تنعم بمستقبل زاهر يؤمّن للأجيال الصاعدة حياة تسودها الألفة والمحبة والتعاون. فالكل معًا مساهمون فعّالون في بناء الحضارة الإنسانية.
تركز تعاليم حضرة بهاء الله على تطوير الفرد روحيًا وفكريًا، ولذلك تسعى الأسرة والمجتمع البهائي ومؤسساته إلى تطور أفرادها منذ الطفولة بغرس مبادئ الدين النقيّة والقيم الأخلاقية لدى الأطفال منذ نعومة أظفارهم داخل نطاق الأسرة، وإعداد الشباب والشباب الناشئ لتحمل مسؤولياتهم في خدمة مجتمعهم وبنائه وتطوره. فبإصلاح الفرد يصلح المجتمع، وفي صلاح المجتمع حوافز ودوافع وبيئة مثلى لإصلاح الفرد، ولا يمكن فصل أحدها عن الآخر. فقلب الإنسان لا يمكن فصله عن بيئته ومجتمعه، إذ كل منهما يؤثر في الآخر ويتأثّر به. هذا هو التفاعل الفطري الإنساني كما خلقه الله.
تفضل حضرة بهاء الله معرّفًا الإنسان بقوله "هذا ما يسعى الفرد البهائي إلى تطبيقه في حياته خدمة لمجتمعه والبشرية وتقدم الحضارة"، وكذلك قوله "أنظر الإنسان بمثابة معدن يحوي أحجارًا كريمة وبالتربية تظهر جواهره إلى عرصة الشهود وينتفع بها العالم الإنساني". هذا ما يسعى الفرد البهائي إلى تطبيقه في حياته خدمة لمجتمعه والبشرية وتقدم الحضارة.
ذكر حضرة بهاء الله بأنّ "الهدف من خلق الإنسان هو معرفة الله وعبادته". فإذا عرفناه أحببناه وأطعناه وعشنا في راحة وسلام مع النفس وفيما بين البشرية جمعاء. وأمرنا أيضًا بـأن "لاتنهمكوا بشؤون أنفسكم، بل فكروا في إصلاح العالم وتهذيب الأمم". هذه هي ثمار تعبِّد المؤمن في صلاته ودعائه وتلاوة آيات الله في كل صباح ومساء كما أُمر والتفكر فيها بكل تمعن. ثمار يقطفها الجميع عملاً صالحًا ترجمة لكل الفضائل الإنسانية.
إن الصلاة اليومية المفروضة هي معراج المؤمن إلى الله وفيها يناجيه معبرًا له عن حبه الصادق وولائه المطلق لإرادته، وفي تلاوة آياته في كل يوم، كما أمرنا حضرة بهاء الله، تهذيب للنفس والروح وإنارة للعقل نحو مزيد من الصلاح في القول والعمل، وتقييم للسلوك والعلاقات ثم نصح وإرشاد. هذا هو غذاء الروح الذي يمد الإنسان بالطاقة نحو التضحية والعطاء بكل محبة وتفانٍ. هنا يحدث التوازن بين متطلبات الحياة المادية وتحقيقها في إطار خلقي زاخر بالقيم والفضائل.
في الصلاة تعبُّدٌ فردي، وهناك تعبد جماعي يتمثل في جلسات الدعاء والابتهال التي تضم بهائيين وغير بهائيين من مختلف الأديان والأجناس، فيجلسون معًا بقصد تمجيد الله والتفكر في آياته من الكتب المقدسة، ثم النقاش في معانيها السامية وكيفية انعكاسها على الأفراد والمجتمع خيرًا وازدهارًا، واستكشاف مسؤوليات الفرد تجاه أولاده وعائلته ومجتمعه. وهناك أبنية مشارق الأذكار التي تفتح أبوابها للجميع من كل ملة، فيدخلها من يريد لتلاوة أدعيته الخاصة في جو روحاني هادئ تمامًا دون أي طقوس دينية محددة. فالفرد حر في كيفية مخاطبة ربه بما يريحه نفسيًا وروحيًا. يلتحق بكل مشرق أذكار أبنية محيطة خاصة بخدمة المجتمع من قبيل المدرسة والجامعة والمستشفى والمراكز الصحية وملجأ للعجزة ومرافق أخرى ضرورية لتقديم الخدمات الإنسانية والنهوض بالمجتمع صحيّاً وتربويًا واجتماعيّاً واقتصاديًا. وهكذا نرى أن بناء مشرق الأذكار يجمع بين العبادة والخدمة. وهو مبدأ ركّز عليه حضرة بهاء الله في تعاليمه.