المعتقدات البهائية
ملخص
من الآثار الكتابية البهائية يمكن استخلاص المبادئ التالية التي يؤمن بها البهائيون ويسعون إلى تحقيقها:
الإيمان بوحدانية الله عز وجل ووحدة الأديان ووحدة العالم الإنساني؛ فالذات الإلهية غيب منيع لا يُدرك، وما ندركه هو الصفات الإلهية المتجلية في رسله والمنعكسة على مرايا قلوبهم، وأن الحقيقة الدينية المنزلة عليهم هي نسبية وليست مطلقة، وأن الوحي الإلهي مستمرّ ومتطوّر في التشريع الذي يأتي حسب استعداد الناس وقابلياتهم في ذلك العصر، وحل المعضلات الاجتماعية، وتجديد القيم الأخلاقية وإعادة وصال الفرد مع خالقه عز وجلّ. ثم وحدة هذه الرسل في الرؤى والهدف، وكذلك وحدة الجنس البشري وإدراك مفهومها تمهيدًا لتحقيق وحدة العالم الإنساني.
الدين سبب الألفة والمودة والتواصل بين القلوب، وعلة الاتحاد لا الضغينة والأحقاد والحروب والصراعات وإلا غدا دينًا من صنع الشر. ضرورة نبذ التعصبات بأنواعها، واتفاق العلم والدين إذ هما وجهان متكاملان للحقيقة، وضرورة القضاء على الفقر المدقع والغنى الفاحش، وأن المعضلات الاقتصادية روحية وأخلاقية في أساسها، وتطبيق مبدأ العدالة في جميع العلاقات الإنسانية، والتأكيد على أهمية التربية والتعليم وجعله في متناول الجميع دون استثناء، ثم التواصل الحُيّي الفعّال بين الأفراد والمؤسسات والمجتمعات في طريق نضجهم الجماعي.
رسل الله وأنبياؤه هم الأطباء الإلهيون لهذا العالم لمعالجة أمراض البشرية في عصر معيّن ولمدة محددة، فإذا ما انتهى مفعول الدواء بتقدم البشرية وتعقيد مشاكلها واستعصاء حلها بتلك الوصفة الإلهية، جيء بوصفة إلهية بتقدير إلهي يحملها طبيب بتشريع جديد يداوي ما أصاب المجتمع الإنساني من أمراض أخلاقية وروحية أوقعته في هرج ومرج، وحسب ما تقتضيه حاجة الناس في ذلك الزمان. وهكذا إلى ما لا نهاية طالما أنها باب الرحمة والهداية الإلهية للعباد، ولا يمكن لله الرحيم أن يغلقه. هذه هي سُنّة الله من قبل ومن بعد ولا تبديل لسنته ولا تحويلاً. فتتابع الأديان عملية إلهية مستمرّة ومنهاج تربوي سماوي متطور ومتكامل متّحد في الهدف ومتباين في التشريع والأحكام. فكل رسالة سماوية تطلِق في العالم قوةً روحية عظيمة تترقّى فيها العلاقات الإنسانية إلى مستويات أعلى ويزداد وعي الإنسان وتتقدّم العلوم والفنون وتنشأ حضارة إنسانية جديدة تتوازن فيها الأمور المادية والروحية. ولذلك نرى أن الحقيقة الدينية المنزّلة على كل رسول هي حقيقة نسبية تناسب ذلك العصر في تشريعها وتعاليمها وأحكامها وليست مطلقة، وأن الوحي الإلهي متطور حتمًا ليواكب تطور البشرية وازدياد وعيها.
وبفضل تعاليم رسل الله وأنبيائه والعمل بموجبها فإننا نعمل على تنمية صفاتنا الروحية والتقرّب إلى الله. ومع أنه ليس من الممكن إدراك كنه الذات الإلهية، فمن الواجب معرفة الله والتقرّب إليه ومحبّته وجعل حياتنا مرآة لتعاليمه وأحكامه، ويكون هذا عن طريق إكتساب الصفات الرحمانية مثل المحبة والحنان والرحمة والتسامح والشفقة والمودّة والكرم والعدل في سلوكنا وأعمالنا، وهو الهدف من حياتنا.
الإيمان بأننا جميعًا ننتمي إلى عائلة بشرية واحدة، وهو مبدأ حيوي في الدين البهائي ومحور تعاليم الحق عزّ وجلّ. فما تُبتَلى به البشرية من نزاعات وصراعات مصدرها التفرقة العنصرية التي تحرم ضحاياها من تنمية قدراتهم، فتحرم بذلك المجتمع من مواهبهم مسببة الدمار والهلاك لجميع الأطراف. فليس هناك من مجموعة عرقية أو إثنية أو ثقافية متفوقة على أخرى. فيتفضّل حضرة بهاء الله مخاطبًا البشرية على لسان الحق بقوله "هل عرفتم لمَ خلقناكم من تراب واحد لئلا يفتخر أحد على أحد..." فما علينا إلا أن نحب كل مخلوقات الله من فرط حبنا له ومحبّته لنا دون تمييز.
إن ما يلزم حتمًا لتحقيق عالم موحد حسب التعاليم البهائية، هو مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة. لقد آن الأوان لتحقيق هذه المساواة خاصة وأنه ليس من أساس أخلاقي أو علمي أو بيولوجي يمكنه تبرير عدم المساواة بين الجنسين. ففي التحيُّز الجنسي ضد المرأة ظلم رهيب يمتدّ إلى غرس مواقف هدامة للمجتمع لتتجذر بعد ذلك في تصرفات الرجل وذريته من الذكور، وهو ما أدّى إلى فساد أخذ ينخر في هيكل المجتمع بلا هوادة وبات من الصعب إصلاحه إلا بالإيمان بالمساواة عملاً وعقيدة.
هناك حقيقة علمية وحقيقة دينية، وبما أن الحقيقة واحدة لا تتجزأ فهما وجهان لها ومتوافقان تمامًا ويدعم كل منهما الآخر، وهما الجناحان اللذان تطير بهما البشرية إلى أوج الفلاح والنجاح لمنفعة الفرد والجنس البشري قاطبة والعيش في أمان وسلام. فالتقدم العلمي من اختراعات واكتشافات، والممزوج بتقوى الله ومخافته من منظور القيم الدينية والأخلاقية، هو الذي يسخّر كل الطاقات والمواهب لمنفعة البشرية وتطورها ماديًا وروحيًا بعيدًا عن ابتكار آلات الخراب والدمار وتسخيرها لإشباع غرائز الإنسان الحيوانية الدنيئة لتحقيق مكاسب مادية دنيوية على حساب أمن وسلامة وسعادة الجنس البشري قاطبة. ومن ناحية أخرى، فلو أخذنا عدم توافق العلم مع الحقيقة الدينية لأصبح الدين مرتعًا للخرافات والترهات والتقاليد والأعراف التي حلّت محل الدين وأخذت تعصف بقلوب الناس وأفكارهم وأبعدتهم عن جوهر الدين وحقيقة مفاهيمه، وأفقدته قدرته الواهبة للحياة.
إن ما يربط الخلق بالخالق هو الأحاسيس الروحية والمعنوية التي تشكل خيوط التواصل والاتصال وغذاءً للروح بفضل تلاوة آيات الله والصلاة والدعاء اليومي، وفي هذا يكمن اكتساب الفرد للفضائل والكمالات الإنسانية، ثم تقدُّمُ المجتمع وتطوُّرُه نحو الأفضل في جميع المجالات. هناك مشارق أذكار أمر حضرة بهاء الله ببنائها للتعبد فيها بتلاوة الدعاء مفتوحة أبوابها لجميع الملل لتلاوة الأدعية بصمت كما يرغبون بكل خضوع وخشوع. فيتفضل بقوله "طوبى لمن توجّه إلى مشرق الأذكار في الأسحار ذاكرًا متذكّرًا مستغفرًا، وإذا دخل یقعد صامتًا لإصغاء آیات اللّه الملك العزیز الحمید. قل مشرق الأذكار إنّه كلّ بیت بُني لذكري في المدن والقری كذلك سمّي لدی العرش إن أنتم من العارفین." فمشرق الأذكار من أعظم مؤسّسات العالم الإنسانيّ، ذلك لأنه يمزج الحياة التعبدية بالحياة العملية اليومية بما حوله من أبنية أساسية خمسة ملحقة به هي مستشفى، ودار للدّواء، ودار ضيافة للمسافرين، ومدرسة للأطفال الأيتام، وجامعة للدّراسات العليا. وكما تفضل حضرة عبد البهاء فإن مشرق الأذكار هو بنيان إلهي في العالم الناسوتي، وسبب تحقيق وحدة العالم الإنساني. ذلك لأن جميع الملل ستتّحد وتتّفق في مشرق الأذكار وتقوم بالتسبيح والتهليل لرب الجنود بألحان التوحيد.
يؤكد حضرة بهاء الله على أن لكل إنسان روح مميزة تشكل ذاته الحقيقية، تنبع الروح من عالم الروح الإلهي. مما يعني أنها تكتنز صفات إلهية، وعلى هذه الصفات أن تظهر جلية في عالم الوجود من خلال أعمال الفرد، وبها تتطوّر روحه بفضل إطاعته لأحكام الله وأوامره، وبها تتجلى عظمة الخالق ويفوز المرء بعرفانه. فالهدف من الحياة في هذا العالم هو عرفان الله وعبادته وتطوير الروح وتقويتها حتى تتبوّأ مكانة عالية في عالم الملكوت بعد الوفاة. فمنذ لحظة الحمل، ترتبط الروح بجسد الإنسان، لكن هذه العلاقة ليست علاقة جسمانية، ذلك لأن الروح لا تدخل أو تخرج من الجسم، وهي لا تشغل حيّزًا ماديًا بل تتجلى في الجسم كتجلي الشمس في المرآة وتنيره بأنوارها. ومن تجلياتها قوى العقل والفكر والإبتكار والإبداع ثم الفضائل الإلهية من قبيل المحبة والمودّة والإخاء والعطاء والإرادة والشجاعة وغيرها، وإذا ما حجبت أنوارَها غيومُ نوازع الأهواء والشهوات النفسية، تجرّد الإنسان من فضائل إنسانيته وغدا أحط من الحيوان. عندما تحدث الوفاة يعود الجسم إلى عالم التراب، أما الروح فتواصل تطورها في تقرّبها نحو الخالق . يتفضل حضرة بهاء الله في بيان له عن الروح أن "منها تظهر آثار الله وصفاته وعناية الله وألطافه..."
تبقى معرفة طبيعة الحياة بعد الموت سرًا مكنونًا حتى يومنا هذا. وكما تفضّل حضرة بهاء الله حول هذا الأمر "إنه لا يوصف ولا ينبغي أن يُذكر إلا على قدر معلوم." فالجنة بالمفهوم البهائي هي التقرب إلى الله والجحيم البعد عنه عز وجل في هذا العالم والعالم الآخر. فبالطبع تعتمد درجة قربنا من الله على جهودنا في تطوير روحنا في هذا العالم، ثم على رحمة الله وعناياته وألطافه في العالم الآخر. لقد شبّه حضرة بهاء الله الموت بالولادة: "فالاختلاف بين هذا العالم وذلك العالم كما الاختلاف بين عالم الجنين وهذا العالم"، وكما أن رحم الأم هو مكان المرحلة الأولى من التطور الجسماني للإنسان، فإن هذا العالم المادي هو الرحم للمرحلة الثانية الذي ينمو فيه الجسم وتتقوّى قدراته وتتطور روحه وتكتسب الفضائل الإلهية التي ستشكل له قواه الروحية التي ستلزمه بعد الموت في عوالم الروح الإلهية، وبقدر ما تكون قواه متينة سيكون أقرب إلى الله وبها تتطور روحه إلى ما لانهاية. فهذه هي جنته الحقيقية.