التربية والتعليم أساس حياة المجتمع
جعل حضرة بهاءالله التربية والتعليم فرضاً إلهياً ملزماً وأمراً إجبارياً يتكلف به الوالدان بتعليم أبنائهم وتربيتهم، ووضع هذه المسؤولية المقدسة ضمن واجبات الحكومة وأُولِي الأمر للتأكد من سد الثغرات الناجمة عن أي تقصير أو عدم القدرة مادياً ومعنوياً. فيقول حضرته في الكتاب الأقدس:
كتب على كلّ أب تربية ابنه وبنته بالعلم والخط ودونهما عمّا حدّد في اللّوح، والذي ترك ما أمر به فللأمناء أنْ يأخذوا منه ما يكون لازماً لتربيتهما إنْ كان غنيّاً وإلا يرجع إلى بيت العدل إنّا جعلناه مأوى الفقراء والمساكين. إنّ الذي ربّى ابنه أو ابناً من الأبناء كأنّه ربّى أحد أبنائي عليه بهائي وعنايتي ورحمتي التي سبقت العالمين. - الكتاب الاقدس، الفقرة ٤٨
وكذلك يخبرنا حضرة عبدالبهاء بقوله:
... وبناء على ذلك كله، فإن أمر التعليم والتربية في هذا الدور البديع أمر إجباري وليس اختيارياً، وهذا يعني أنه فُرِض على الوالدين فرضاً بأن يربيا أبناءهما وبناتهما ويعلماهم بمنتهى الهمة ويرضعاهم من ثدي العرفان ويحتضناهم في حضن العلوم والمعارف، وفي حال قصورهما بهذا الصدد فهما مؤاخذان ومدحوران ومذمومان لدى الله الغيور. - التربية والتعليم، ص ٢٩
ويضيف قوله:
أسّ أساس السيئات هو الجهل وعدم المعرفة، لهذا يجب التشبث بأسباب العلم والادراك وتعليم الاخلاق وتنوير الآفاق حتى يتحلى الاطفال بالاخلاق الروحانية في مدرسة الانسانية، ويعلموا يقيناً أنه ليس هناك جحيم أسفل من المسلك السقيم، ولا سعير وعذاب أحط من الصفات التي توجب العتاب، إلى أن تصل التربية درجة يصبح فيها قطع الحلقوم أهون من الكذب المشؤوم، وجرح السيف والسنان أسهل من الغضب والبهتان. فتلتهب نار الشهامة لتحرق حصاد الهوس والهوى، ويتلألأ وجه كل حبيب رحماني كالقمر المنير بالاخلاق الروحانية، ويكون انتسابهم إلى العتبة الإلهية انتساباً حقيقياً لا مجازياً. فالأساس يجب أن يكون مشيداً قبل زخرفة الإيوان. - التربية والتعليم، ص ٢٨
مقام الانسان
وعن المقام العظيم الذي قُدِّر للانسان يتفضل حضرة بهاءالله بقوله:
الانسان هو الطلسم الأعظم ولكن عدم التربية حرمه مما فيه، فان الله خلقه بكلمة واحدة وهداه بكلمة أخرى إلى مقام التعليم وبكلمة ثالثة حفظ مقاماته ومراتبه. تفضّل سيد الوجود قائلاً: انظر إلى الانسان فهو بمثابة معدن يحوي أحجاراً كريمة تخرج بالتربية جواهره إلى عرصة الشهود وينتفع بها العالم الانساني. - منتخبات من آثار حضرة بهاءالله، رقم ۱۲۲، ص ۱٦٧
وجاء في القرآن الكريم قوله تعالى:
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم. ثم رددناه أسفل سافلين. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون. - القرآن الكريم، سورة التين، الآيات ٤-٦
ويوضح لنا حضرة عبدالبهاء الأمر بقوله:
إن الحقيقة الانسانية هي الخط الفاصل بين الظل والنور، وهي مجمع البحرين ونهاية قوس النزول. لهذا فهي تملك استعداداً للوصول إلى جميع المراتب. فبالتربية يكتسب الفضائل وبفقدانها يهبط إلى أسفل دركات النقائص. كل طفل يمكنه أن يغدو سبباً لإنارة العالم أو علة لظلمة الآفاق، لهذا يجب اعتبار مسألة التربية أمراً في غاية الأهمية... - التربية والتعليم ، ص ٣٤
ويضيف قوله في مقام آخر:
الانسان هو الآية الالهية الكبرى يعني هو كتاب التكوين، لأن جميع أسرار الكائنات موجودة في الانسان، إذاً لو يتربّى في ظل المربّي الحقيقي يصير جوهر الجواهر ونور الأنوار وروح الأرواح ومركز السنوحات الرحمانية ومصدر الصفات الروحانية ومشرق الأنوار الملكوتية ومهبط الالهامات الربانية، أما لو حُرم فإنه يكون مظهر الصفات الشيطانية وجامع الرذائل الحيوانية ومصدر الشؤون الظلمانية، هذه هي حكمة بعثة الأنبياء لتربية البشر حتى يصير هذا الفحم الحجري ماساً ويتطعّم هذا الشجر غير المثمر فيعطي فاكهة في نهاية الحلاوة واللطافة وحينما يصل الانسان إلى أشرف مقامات العالم الانساني فعندئذ يترقّى في مراتب الكمالات لا في الرتبة لأن المراتب محدودة ولكن الكمالات الالهية لا تتناهى. - من مفاوضات عبدالبهاء، ص ۱٧٤
فمجمل القول إن الهدف من ذلك كله هو أن التربية من أهم أوامر الله، وتأثيرها كتأثير الشمس في الشجر والثمر. فمن الواجب المؤكد المواظبة على تربية الأطفال والمحافظة عليهم. هذا هو المعنى الحقيقي للأبوة والأمومة وشفقتهما. - التربية والتعليم، ص ٢٧
وعليه، فإنّ التربية باعتبارها أداة لهداية البشر ولتطويرهم ولتهذيب مَلَكاتهم الباطنية هي أسمى أهداف الرّسل العظام منذ بداية العالَم. وقد أعلنت التعاليم البهائية بأفصح العبارات أهمية الإمكانات التّربوية غير المحدودة. فالمعلّم أقوى عامل في بناء المدنية، وأنّ عمله أسمى عمل قد يطمح إليه النّاس، وتبدأ التربية من رحم الأم ثمّ تبقى ببقاء حياة الفرد، وهي من المستلزمات الدّائمة للحياة الصّحيحة وأساس السّعادة الفردية والاجتماعية. وعندما تصبح التربية الصّحيحة عامّة بين الجميع تتحوّل الإنسانية وتتغيّر ويصبح العالَم جنّة النّعيم.
والرجل المهذّب تهذيباً صحيحاً شيء نادر في الوقت الحاضر وظاهرة قليلة الوجود، لأنّ كلّ إنسان لديه تعصّبات باطلة ومُثُل مغلوطة وإدراكات غير صحيحة وعادات ذميمة نشأ عليها منذ صباه. وما أندر الذين تربّوا منذ طفولتهم على محبّة الله بكلّ قلوبهم وأوقفوا حياتهم له، فاعتبروا خدمة الإنسانية أسمى مقاصدهم في الحياة، وطوّروا مَلَكاتهم الفردية إلى ما ينتفع به المجموع خير انتفاع! حقّاً إنّ هذه هي العناصر الأساسية للتربية الصّحيحة. وإنّ مجرد شحن الذّاكرة البشرية بحقائق عن الرّياضيّات وقواعد اللّغات الجّغرافية والتاريخ وغيرها أمر له تأثيره الضّعيف في خلق حياة نبيلة نافعة. ويوصي بهاءالله أنْ تكونَ التربية تربية عمومية.
الفروق الفطرية في طبيعة الكائنات
إنّ وجهة النّظر البهائية حول طبيعة الطّفل ترى أنّ الطّفل ليس شمعاً يصّب في قوالب مختلفة حسب الأشكال التي يريدها المعلّم، بل إنّ الطّفل منذ بدايته له خصائص أعطاها الله، وله شخصية فردية يمكنها أنْ تتطوّر إلى أحسن ما ينتفع به بأسلوب معيّن، وذلك الأسلوب فريد من نوعه في كلّ حالة من الحالات، ولا يتشابه إثنان في القابليّات والمَلَكات. ولا يحاول المربي الصّحيح أنْ يصبّ طبيعتين متفاوتتين في قالب واحد. والواقع إنّه لا يحاول أنْ يصبّ أية طبيعة في أيّ قالب. بل يرمي بكلّ احترام إلى تطوير قدرات النّاشئين فيشجعهم ويحميهم ويمدّهم بالتّغذية والمعونة التي يحتاجونها، ويشبه عمله عمل البستاني الذي يرعى النّباتات المختلفة، فأحد النّباتات يحبّ أشعة الشّمس السّاطعة، والآخر يحبّ الظّل البارد الظّليل، وأحدها يحبّ أن ينمو فوق حافّة مجرى مائيّ، والآخر يحبّ تربة جافّة، وأحدها ينمو فوق تربة رملية شحيحة، والآخر ينمو فوق تربة صلصالية غنية، لكنّ كلّ واحد منها يجب أنْ ينالَ ما يحتاجه، وإلاّ فإنّ كمالاته لا يمكن أبداً أنْ تظهرَ وتتجلّى. ويقول حضرة عبدالبهاء في "لوح التربية" ما ترجمته:
إنّ الرّسل كذلك يؤيّدون الرّأي القائل بأنّ التربية لها منتهى الأثر في البشر، ولكنّهم يقولون أنّ العقول والإدراكات متفاوتة في الأصل في فطرتها. وهذا أمر بديهي لا يقبل الإنكار، حيث نلاحظ أنّ أطفالاً من عمر واحد ومن وطن واحد ومن جنس واحد بل وحتّى من عائلة واحدة وتحت تربية شخص واحد ولكنّهم مع كلّ هذا لهم عقليّات متفاوتة وإدراكات متباينة. فاحدهم يرتقي رقيّاً سريعاً وثانيهم يكتسب نور العلم بصورة بطيئة وثالثهم يبقى في دركات الانحطاط. فالخزف مهما ربّيته لا يصبح لؤلؤاً برّاقاً، والصّخر الأسود لا يصبح جوهرة مشرقة، والحنظل والزقوم لن يصبحا بالتربية شجرة مباركة. وهذا يعني أنّ التربية لا تبدّل جوهر الإنسان إلا أنّ لها تأثيراً كلّياً وتخرج إلى عالم الشهود بقوّتها النّافذة كلّ ما هو مكنون في حقيقة الإنسان من الكمالات والاستعدادات. - مكاتيب عبدالبهاء، المجلد ۱، ص ۳۳۲
أهمية دور الأم
لم يكتف حضرة عبدالبهاء في ألواحه بتوجيه النّظر إلى مسئولية الأبوين تجاه تربية أولادهما فحسب، بل حدّد بكل وضوح أنّ:
تربية البنات وتعليمهن أهم من تربية الأبناء وتعليمهم، لأن البنات سيصبحن يوماً ما أمّهات، والأمّهات هنّ المربيات الأوليات للأطفال. وذلك إن استحال على عائلة تعليم كلّ أطفالها، يلزم تفضيل البنات لأنّ بفضل أمّهات متعلّمات تتحقق فوائد المعرفة فى المجتمع بسرعة ونجاح. - شرح الكتاب الأقدس، الفقرة ٧٦
وعن سمو مقام الأم المربية وثوابها يتفضل حضرة عبدالبهاء بقوله:
إذاً أيتها الأمهات الحنونات اعلمن حق العلم أن تربية الأطفال على آداب كمال الانسانية لهي أفضل عبادة لدى الرحمن ولا يمكن تصوّر ثواب أعظم من هذا. - التربية والتعليم، ص ٥٠
وفي مقام آخر يتفضل:
ابذلوا كل الجهد في مسألة تعليم الأطفال وتربيتهم، إنها لفي غاية الأهمية، وكذلك تربية البنات تربية صحيحة، كي يترعرعن على حسن السلوك والأخلاق، فالأمهات أولى المربّيات للأطفال، وكل طفل في طفولته المبكرة بمثابة غصنٍ نضرٍ ريّان يتأثر بتربية الوالدين كيفما يشاءان. - التربية والتعليم، ص ٤٦
وفي هذا الصدد يخبرنا حضرة شوقي أفندي بقوله:
إن مهمة تربية طفل بهائي كما تؤكده مراراً وتكراراً النصوص المباركة البهائية إنما هي مسؤولية الأم الرئيسة -والتي منحت بهذا الامتياز الفريد- وهي في الواقع خلق أوضاع في بيتها تؤدي إلى تقدم الطفل وتحسين أحواله من الناحية المادية والروحية، فالتوجيه الذي يتلقاه الطفل في بدء حياته من أمه يشكل أقوى أساس لتطوره في المستقبل... - من رسالة كتبت بالنيابة عن حضرة شوقي افندي الى أحد الأحباء بتاريخ ۱٦ تشرين الثاني ١٩٣٩م
ومع ذلك فلا يمكن إغفال دور الأب في العائلة كما أخبرنا حضرة شوقي افندي بقوله:
بالنسبة لسؤال بشأن توجيه الأطفال، فما أكده حضرة بهاءالله وحضرة عبدالبهاء بضرورة توجيه الوالدين لأولادهما في السنين الأولى من حياتهم، يبدو أن تلقي الأولاد توجيههم الأول في البيت تحت عناية أمهّم أفضل من أن يرسلوا إلى دار حضانة، ولكن إذا اضطرت بعض الحالات أية أم بهائية أن تضع طفلها في دار حضانة فلا مانع هناك. - من رسالة كتبت بالنيابة عن حضرة شوقي افندي الى أحد الأحباء بتاريخ ۱۳ تشرين الثاني١٩٤٠م
يجب أن لا نستغرب إذا قلنا بأن المعلم الأول للطفل هو أمه لأن الأم هي التي تقوم بالتربية الأساسية للطفل الرضيع. إن هذه الخصائص الطبيعية لا تقلل من دور الأب في العائلة البهائية. مرة أخرى نؤكد بأن التساوي بين مكانة الرجل والمرأة لا يعني بأن وظائفهما واحدة. - من رسالة بيت العدل الاعظم الى احد الاحباء بتاريخ حزيران ١٩٧٤م
تربية الطفل تربية أخلاقية
إنّ الأمر الهام جداً في التربية هو التربية الأخلاقية. وهنا تكون القدوة اكثر نفوذاً من العقيدة. فحياة الآباء وأخلاقهم وكذلك حياة المعلّمين والرّفاق المعاشرين إنما هي عوامل مؤثّرة لها فعلها ولها أهميّتها ولها أثرها. إنّ رسل الله هم عظماء المربين للعالم البشري، وإنّ نصائحهم وقصص حياتهم يجب أنْ ترسخَ في عقل الطّفل حالما يستطيع الطّفل إدراكها وبصورة خاصّة كلمات حضرة بهاءالله المربي الأعلى للإنسانية الذي أنزل المبادئ الأساسية التي يجب أنْ تشاد عليها مدنية المستقبل فيتفضّل في "الكتاب الأقدس" بالنّص:
علّموا ذرّياتكم ما نزل من سماء العظمة والاقتدار ليقرءوا ألواح الرحمن بأحسن الالحان في الغرف المبنية في مشارق الاذكار. ان الذي اخذه جذب محبة اسمي الرحمن انه يقرأ ايات الله على شان تنجذب به افئدة الراقدين. - الكتاب الأقدس، فقرة ١٥٠
وفي مقام آخر يتفضل:
أما الاطفال فقد أمرنا في البداية بتربيتهم بآداب الدين وأحكامه ومن بعد بالعلوم النافعة والتجارة المزينة بطراز الأمانة والاعمال التي تكون دليلاً لنصرة أمره أو يجذب به أمراً يقرب العبد الى مولاه نسئل الله أن يؤيد أطفال أوليائه ويزينهم بطراز العقل والاداب والامانة والديانة إنه هو الغفور الرحيم. - پيام بهائى، الجزء الثاني، ص٩٥
طوبى لمعلمٍ قام على تعليم الأطفال وهدى الناس إلى صراط الله العزيز الوهاب. - التربية والتعليم، ص ١٢
على الاباء أن يبذلوا جهدهم في تديّن الاولاد وإن لم يفز الاولاد بهذا الطراز فسوف يغفلون عن إطاعة الوالدين التي تعتبر في مقام اطاعة الله. وفي حالة عدم فوزهم بهذا الطراز فسوف يكونون غير مبالين يفعلون بأهوائهم ما يشاؤون. - كنجينة حدود وأحكام، ص ٨٨
ويخبرنا حضرة عبدالبهاء بقوله:
يا عبد الله كنت قد سألْتَ بخصوص تربية الأطفال وتعليمهم، إن الأطفال الذين وُلدوا في ظلّ السدرة المباركة وترعرعوا في مهد أمر الله ورضعوا من ثدي العناية الإلهية يجب على الأمهات تربيتهم منذ البداية تربية إلهية، وذلك يعني عليهن ذكر الله والتحدّث عن عظمته وغرس خشية الله في قلوب الأطفال، ويجب تربية الطفل بكل لطافة ونظافة ومحبة كي يستنشق كل طفل منذ بداية حياته نسيم محبة الله ويهتزّ بفرح من رائحة هداية الله، هذه هي بداية تأسيس التربية وهي الأساس الكلي... - التربية والتعليم، ص ٤٢-٤٣
أنواع التربية
يتفضل حضرة عبدالبهاء بهذا الخصوص بقوله:
... ولكن التربية على ثلاثة أنواع؛ تربية جسمانية، وتربية إنسانية، وتربية روحانية، فالتربية الجسمانية هي لنشوء الجسم ونمّوه وذلك يكون بتسهيل سبل المعيشة وتوفير أسباب الراحة والرفاهية التي فيها يشترك الانسان والحيوان، وأما التربية الإنسانية فهي عبارة عن المدنية والترقّي والسعادة، يعني السياسة والنظام والتجارة والصناعة والعلوم والفنون والاستكشافات العظيمة والاختراعات الجليلة التي بها يمتاز الانسان عن الحيوان، وأما التربية الالهية فهي تربية ملكوتية هي اكتساب كمالات إلهية، هي التربية الحقيقية، إذ بها يكون الانسان في هذا المقام مركز السنوحات الرحمانية ومظهر (لنعملنّ انساناً على صورتنا ومثالنا) وهذا هو المقصد الأسمى للعالم الانساني. فنحن الآن نريد مربياً يكون مربياً جسمانياً ومربياً إنسانياً ومربياً روحانياً نافذ الحكم في جميع الشئون. - من مفاوضات عبدالبهاء، ص ۱٥
تحصيل العلوم النافعة
إنّ تعلّم العلوم والفنون والصّنائع والحرف النّافعة ضروريّ وهام، فيقول حضرة بهاءالله في لوح التجلّيات ما ترجمته:
العلم هو بمنزلة الجناح للوجود ومرقاة للصعود. تحصيله واجب على الكلّ. ولكنّ العلوم التي ينتفع منها أهل الأرض وليس تلك التي تبدأ بالكلام وتنتهي بالكلام. إنّ لأصحاب العلوم والصنائع حقّاً عظيماَ على أهل العالم. يشهد بذلك أمّ البيان في المآب نعيماً للسامعين. إنّ الكنز الحقيقي للإنسان هو في الحقيقة علمه، وهو علّة العزّة والنعمة والفرح والنشاط والبهجة والانبساط... - مجموعة من ألواح حضرة بهاءالله نزلت بعد الكتاب الاقدس، ص ٦٩
وفي مقام آخر:
يجب النظر إلى عاقبة كل أمرٍ من بدايته وأن ينكبّ الأطفال على علوم وفنون تؤدي إلى منفعة الانسان ورقيّه وإعلاء مقامه كي تزول رائحة الفساد من العالم ويصبح الكلّ بفضل همّة أولياء الدولة والملّة مستريحين في مهد الأمن والاطمئنان... تفضل سيد الوجود قائلاً: الحكيم العارف والعالم البصير هما بصران لهيكل العالم عسى أن لا يُحرم العالم، بمشيئة الله، من هاتين العطيتين الكبيرتين وأن لا يُمنع عنهما. - مجموعة من الواح حضرة بهاءالله، لوح مقصود، ص ۱٤٩
أن ابذلوا قصارى الجهود في اكتساب الكمالات الظاهرية والباطنية لأن ثمرة سدرة الانسان هي الكمالات الظاهرية والباطنية، فالانسان دون العلم والفن غير مرغوب فيه، ولم يزل مثله كمثل أشجار بلا ثمر، لذا يجب أن تزيّنوا سدرة الوجود على قدر المستطاع بأثمار العلم والعرفان والبيان. - التربية والتعليم، ص ٨
التعليم الشامل
يخبرنا بيت العدل الأعظم بقوله:
وقضية التعليم الشامل للجميع تستحق هي الاخرى أقصى ما يمكن من دعم ومعونة من قبل حكومات العالم أجمع. فقد اعتنق هذه القضية وانخرط في سلك خدمتها رعيلٌ من الاشخاص المخلصين ينتمون الى كل دين والى كل وطن. وممّا لا جدال فيه أن الجهل هو السبب الرئيسي في انهيار الشعوب وسقوطها وفي تغذية التعصبات وبقائها. فلا نجاح لأية أمة دون أن يكون العلم من حق كل مواطن فيها، ولكن انعدام الموارد والمصادر يحدّ من قدرة العديد من الامم على سدّ هذه الحاجة، فيفرض عليها عندئذ ترتيباً خاصاً تعتمده في وضع جدول للأولويات. والهيئات صاحبة القرار في هذا الشأن ُتحسن عملاً إن هي أخذت بعين الاعتبار اعطاء الاولوية في التعليم للنساء والبنات، لان المعرفة تنتشر عن طريق الام المتعلمة بمنتهى السرعة والفعالية، فتعمّ الفائدة المجتمع بأسره. وتمشّياً مع مقتضيات العصر يجب أن نهتم بتعليم فكرة المواطنية العالمية كجزء من البرنامج التربوى الاساسي لكل طفل. - من رسالة "السلام العالمي وعد حق"
كلمات بيت العدل الأعظم للوالدين البهائيين:
والآن نود أن نوجّه بعض الكلمات للوالدين اللذين يتحملان المسؤولية الأساسية في تربية أطفالهم وتنشئتهم. إننا نناشدهم بذل الاهتمام المستمر لتربية أطفالهم تربية روحانية. ويبدو أن بعضهم يعتقد بأن هذا النوع من التربية يقع ضمن مسؤولية الجامعة وحدها، وآخرون يعتقدون بضرورة ترك الأطفال دون تدريسهم الأمر المبارك حفاظاً على استقلالهم في التحري عن الحقيقة. وهناك من يشعرون بأنهم ليسوا أهلاً للقيام بهذه المهمة. كل هذا خطأ. لقد تفضل حضرة عبدالبهاء قائلاً: " فُرض على الوالدين فرضاً بأن يربيا أبناءهما وبناتهما ويعلماهم بمنتهى الهمة"، وأضاف إنه "في حال قصورهما بهذا الصدد فهما مؤاخذان ومدحوران ومذمومان لدى الله الغيور." وبغضّ النظر عن مستوى التحصيل العلمي للوالدين تبقى مهمتهما هامة وحساسة في صياغة التطور الروحاني لأطفالهم. عليهما ألا يستخفّا بقدرتهما في تشكيل شخصية أطفالهما الأخلاقية. لأنهما صاحبا التأثير الأساسي عليهم بتأمين البيئة المناسبة في المنزل التي يخلقانها بحبهم لله، والكفاح من أجل تنفيذ أحكامه. إلا أن هناك تحدياً مُلحّاً يتجاوز الاهتمام بهذه المهام يتحتم علينا مواجهته: فأطفالنا تلزمهم التربية الروحانية والانخراط في الحياة البهائية. وعلينا ألا نتركهم هائمين على وجوههم صرعى تيارات عالم موبوء بالأخطار الأخلاقية. ففي مجتمع اليوم يواجه الأطفال مصيراً قاسياً حرجاً. فالملايين والملايين في القطر تلو الآخر يعانون من التفكك الاجتماعي، ويجد الأطفال أنفسهم غرباء بين والِدَيْن وأفراد بالغين آخرين سواء عاشوا في بحبوحة الغنى أو مرارة الفقر. ولهذه الغربة جذور في مستنقع الأنانية التي تفرزها المادية البحتة وتشكل جوهر اللادينية المستولية على قلوب البشر في كل مكان. إن التفكك الاجتماعي للأطفال في وقتنا الراهن مؤشّر أكيد على مجتمع منحلّ متفسّخ. ومع ذلك، فهذا الأمر ليس حِكْراً على عِرق أو طبقة أو أمة أو وضع اقتصادي معين، فالجميع مبتلٍ به، وما يعتصر قلوبنا ألماً مشاهدة عدد كبير من الأطفال في مختلف أرجاء العالم يجنَّدون في الجيش ويستخدمون عمالاً ويباعون رقيقاً ويكرهون على ممارسة البغاء ويُجعلون مادة للمنتجات والتصاوير الإباحية، ويهجرهم آباؤهم المنشغلون بأهوائهم الشخصية، ويقعون فريسة أشكال أخرى لا حصر لها من الخداع والاستغلال. وكثير من هذه الفظائع يمارسها الآباء أنفسهم مع أطفالهم. وعليه لا يمكن تقدير الأضرار الروحانية والنفسية الناجمة عن ذلك. ولا يمكن لجامعتنا البهائية أن تعيش في معزل عن إفرازات تلك الظروف. إن وعينا بهذه الحقيقة يجب أن يدفعنا جميعاً نحو العمل الحثيث والجهد الموصول لصالح الأطفال وسلامة المستقبل... ومع أن توفير التعليم الأكاديمي والتربية الروحانية أمر ضروري للأطفال، إلا أنه لا يمثل سوى جزء مما يجب تقديمه في سبيل تحسين أخلاقهم وتشكيل شخصياتهم. فالحاجة تكمن أيضاً في اتخاذ موقف ملائم تجاه أطفالنا من قِبَل الأفراد والمؤسسات بكافة مستوياتها، أي الجامعة بأسرها، ليجد الأطفال عندهم الاهتمام الشامل بمصالحهم. وموقف كهذا يجب أن يبقى بعيداً كل البعد عن النظام الاجتماعي السائد الذي يتهاوى بسرعة. إن الأطفال هم أنفَس كنز يمكن للجامعة أن تمتلكه، لأن فيهم نرى أمل المستقبل وضمانه. وهم الذين يحملون بذور الشخصية التي سيكوّن عليها المجتمع في المستقبل والتي يشكّلها إلى حد كبير ما يفعله البالغون في الجامعة أو بما يخفقون في أدائه تجاه الأطفال. إنهم أمانة لا يمكن لجامعة فرّطت بها أن تفلت من العقاب. فتطويق الأطفال بالمحبة من الجميع، وأسلوب معاملتهم، ونوع الاهتمام المبذول نحوهم، وروح السلوك التي يتعامل بها الكبار معهم، كل ذلك يمثل جزءاً من الجوانب الحيوية للسلوك والموقف المطلوب. فالمحبة تستدعي النظام والانضباط، والمحبة تستلزم الشجاعة على الأطفال وتدريبهم على الشدائد، لا أن نترك العنان لنزواتهم أو نتركهم بالكلية ليحققوا أهواءهم. - من رسالة الرضوان لعام ۲٠٠٠م
... ويجب أن نضع نصب أعيننا أيضاً أن الأطفال يعيشون في عالم يخبرهم بحقائق جافة قاسية من خلال تجارب مباشرة مجبولة بالأهوال التي مرّ ذكرها، أو بما تنشره وسائل الإعلام من معلومات لا يمكن تفاديها، وكثير منهم يُساقون نحو البلوغ قبل أوانه، وبينهم أطفال يبحثون عن قيم ومعايير تهدي خطاهم في حياتهم. وأمام هذه الخلفية القاتمة المشؤومة لمجتمع متفسخ متدهور، على الأطفال البهائيين أن يسطعوا نجوماً متلألئة رمزاً لمستقبل أفضل. - من رسالة الرضوان لعام ۲٠٠٠م