الدين البهائي
"لتكن رؤيتكم عالمية ..." -- حضرة بهاء الله
"لو رزقت قليلًا من زلال المعرفة الإلهيّة لعرفت بأنَّ الحياة الحقيقيّة هي حياة القلب لا حياةُ الجسد ..." -- حضرة بهاء الله
"إن دين الله ومذهب الله يهدف إلى حفظ واتحاد واتفاق العالم والمحبة والألفة بين اهل العالم." -- حضرة بهاء الله

الترقّي الروحي للفرد

يوضّح لنا الدين البهائي بأن للطبيعة البشرية جانبين: روحاني ومادّي، وأن جوهر وجود الإنسان هو الجانب الروحاني. ذلك لأن وجوده المادي ينتهي بموت الجسم بينما الروح تستمر في ترقيها في عوالم الله الروحانية إلى ما لا نهاية.


إن الهدف من الحياة المادية هو العمل على ترقي الروح بإطاعة الأوامر الإلهية والعيش بموجبها، وما هذا الجسم إلا الأداة التي بها يطبق هذه الأوامر والأحكام. وكما يتفضل حضرة بهاء الله فإن الهدف من خلق الإنسان معرفة الخالق والعمل بما أمر به والتقرّب إليه، ولا يتم ذلك إلا بمعرفة رسل الله والإيمان بهم قولاً وعملاً.


في هذا العالم المادي تكتسب النفس البشرية الصفات والقدرات اللازمة لرحلتها الأبدية في عوالم الله، كما يكتسب الجنين في رحم الأم تلك القدرات والخصائص التي يحتاجه للحياة بعد الولادة.


بما أن روح الإنسان تمتلك الصفات الإلهية التي قدّر الله لها أن تظهر في الرتبة الإنسانية، فهي المرآة التي تعكس تلك الصفات ومن الواجب تنظيفها وتنقيتها وتطهيرها على الدوام من متعلقات النفس والهوى حتى تتجلى الصفات بأفضل صورة، هنا يكمن النمو والترقي الروحي والسعي لاكتساب الكمالات الإنسانية، وهو الذي يشكل جل اهتماماتنا في التعبّد والصلوات والتأمُّل والعمل الصالح والتقرب إلى الله.


إن لحظات التعبّد والانقطاع والدعاء وقراءة آيات الله والتأمل في معانيها ومراميها لها مكانة خاصة في حياة الفرد البهائي؛ فهي الغذاء اليومي الذي تحتاجه الروح لتحقيق هدفها السامي والمساهمة في تقدم المجتمع وازدهاره، والميزان الدقيق الذي توزن به أعمال الإنسان اليومية، ومنها يأخذ الهداية والرشاد ليوم أفضل. فكم حثنا حضرة بهاء الله بقوله :"...وَاجْعَلُوا إِشْرَاقَكُمْ أَفْضَلَ مِنْ عَشِيِّكُمْ وَغَدَكُمْ أَحْسَنَ مِنْ أَمْسِكُمْ"، وهي الوسيلة للتعبير عن حب العاشق لمعشوقه الله، ومن أغلى وأعز لحظات حياة الإنسان.


كما أن الصلاة المفروضة والصوم تعتبر من الإجراءات الأخرى الفعالة في النمو الروحي للإنسان. يؤدي الفرد البهائي الصلاة والصوم تبعاً لأوامر حضرة بهاء الله منذ سن البلوغ، الخامسة عشر إلى سن الهرم الذي حدد بعمر السبعين. ويُعتبر الصوم فرصة قيّمة للانقطاع والتقرّب إلى الله وتجديد القوى الروحية وتنقية القلب وتطهيره.


إن اكتساب الصفات الإلهية لا يتم بمجرد التعبد والانقطاع والتمركز حول الذات، بل تتم بالعمل في ميدان الخدمة حيث التطور الأخلاقي والسلوكي والتحسين المستمر للمجتمع. وبقدر استغراقنا في ذلك بكل إخلاص تنعكس عنا صفات الله وفضائله.


رغم دور المؤسسات البهائية في مساعدة الفرد على الترقي الروحي والأخلاقي، إلا أنه هو المسؤول عن تطوره الذاتي وفقًا لما يقرره لنفسه نتيجة إدراكه ووعيه بتعاليم دينه ودراسته للكلمة الإلهية. فليس لأحد أن يدّعي الوصاية عليه أو يدعي التفوق والكمال.


يعلن حضرة بهاء الله بأن «الدّين هو النّور المبين والحصن الحصين لحفظ أهل العالم وراحتهم» وأنّه «السبب الأتمّ لنظم العالم». ويعود فيؤكّد أنّ الغاية الأساسيّة من الدّين هي ترويج الاتّحاد ونشر الوئام بين النّاس، ويحذر النّاس من "أن يجعلوه سبباً للفرقة والخلاف" وأن الأحكام الإلهية تمثّل جزءًا هامًا في كل دين، بعضها ثابت خاص بالفضائل والقيم الأخلاقية والمُثُل العليا والآخر متغير ويتطوّر بتطور البشرية ويتناسب مع التقدم الحضاري ومتطلّبات الحياة، وأنها ليست مجرد قوانين تنظيمية من الأوامر والنواهي، بل فيها روح حياة تتشكل بها أنماط الحياة وعادات المرء وسلوكه وشخصيته، وبها تنتظم الحياة الجماعية للمجتمع في مسيرته نحو التقدم والترقي الروحي والمادي. ولهذا يعلن حضرة بهاء الله قائلاً " يا ملأ الأرض اعلموا أنّ أوامري سُرُج عنايتي بين عبادي ومفاتيح رحمتي لبريّتي..."


وضع حضرة بهاء الله مجموعة من الأحكام والتعاليم والقيم الروحانية والإجتماعية في كتابه المنزل "الأقدس" وأن إطاعتها يجب أن تكون بدافع المحبة الخالصة لله المنزّهة عن أي هدف؛ لا خوفًا من عقابه أو طمعًا في ثوابه.


%
تقدم القراءة
- / -