الدين البهائي
"لتكن رؤيتكم عالمية ..." -- حضرة بهاء الله
"لو رزقت قليلًا من زلال المعرفة الإلهيّة لعرفت بأنَّ الحياة الحقيقيّة هي حياة القلب لا حياةُ الجسد ..." -- حضرة بهاء الله
"إن دين الله ومذهب الله يهدف إلى حفظ واتحاد واتفاق العالم والمحبة والألفة بين اهل العالم." -- حضرة بهاء الله

أسرة عالمية واحدة


إن محور تعاليم حضرة بهاء الله هو تحقيق "وحدة العالم الإنساني" في هذه الوجود، من منطلق الإيمان بوحدة الجنس البشري، وأن العالم أسرة بشرية واحدة وُجدت ليعيش أفرادها في وئام وانسجام وتفاهم وتعاون من أجل تحقيق رفاه كل فرد فيها ومصلحة الأسرة العالمية بكاملها.


يشبّه حضرة بهاء الله المجتمع البشري بجسم الإنسان؛ فملايين خلاياه المتنوّعة ومتعددة الأشكال والأنواع تؤدي دورها الهام في بناء نظام صحيّ متكامل متناسق، والمبدأ الذي يحكم هذا النظام هو التعاون، فليس هناك من تنافس على الموارد، بل إن أي خلل في عضو يؤثر على الآخرين. هكذا هو المجتمع البشري وما يجب أن يكون عليه من تضامن بين الأفراد والمجتمعات والدول رغم تنوّعهم، وما سعادة الفرد إلا بالعمل في جو من التضامن على توفير السعادة لمجتمعه، لا بل وللعالم أجمع. فالخلية البشرية يجب أن تعمل بكل كفاءة ليبقى الجسم حيًا، وتهمها حياة الجسم السليم حتى تتمتع بالصحة والكفاءة أيضًا.


كل فرد هو عضو في جسد البشرية ويتميّز بالنُّبل في ذاته وكينونته، وله روح فريدة. إذ يؤكد حضرة بهاء الله على أنّ الإتحاد بين البشر مبنيٌ على مبدأ التنوع والتعدُّد وليس التشابه والتطابق. فكل هذا التنوع البشري الواضح في العرق والجنس واللون، والتفاوت في الثقافات إنما يمثل زينة عالم الوجود، ويمنحه القوة نحو تحقيق هدف مشترك واحد متمثل في النهوض بحضارة دائمة التطور تعطي لهم معنى الحياة. "فما الأرض إلا وطن واحد والناس سكانه" وعليهم تقع المسؤولية المقدسة في الحفاظ على ما في هذا الوطن وعليه من مخلوقات تستحق أن تعيش في عالم يوفر لهم الرفاهية المادية والمعنوية والانتعاش الروحي.


إن خلية جسم الإنسان، مهما كانت صغيرة أو كبيرة في حجمها ومهمتها، لا يمكن أن يحصل بينها وبين غيرها تفاخر أو تحيّز، بل منتهى الترابط والتناغم وحسن الجوار والوعي التام بحاجة الجسم الكلية وتطوير هذا الشعور ليبلغ أعلى مستوياته. عندها ترانا نعيش في حضارة إنسانية بمعنى الكلمة تدفع بالبشرية إلى سموّ ما خلقت له روحيًا وماديًا واجتماعيًا.


أول خطوة نحو الإقرار بوحدة العالم بشريًا وتحقيق وحدته عالميًا هو نبذ جميع التعصبات المقيتة التي فتكت بالبشرية ردحًا من الزمن؛ أكانت عنصرية أم عرقية أم قومية أو دينية. وسبب كل ذلك هو الجهل بحقيقة الإنسان نفسه. يخبرنا حضرة بهاء الله بقوله: "أنظر الإنسان على أنه معدن يحوي أحجارًا كريمة" فهو كائن روحاني في فطرته يتمتع بمواهب وقدرات روحية ومادية فريدة، وقاعدة كل هذه القدرات حتى تنطلق وتتحرر من عقالها هي المحبة؛ محبة الخالق ومحبة مخلوقاته.


فبناء الإتحاد والاتفاق والتضامن والتعاون لا يتم بتجنّب عوامل الصدام والاختلاف بين الشعوب، بل إن الوحدة العالمية بحاجة إلى حبّ الناس لبعضهم البعض والتسابق نحو خدمتهم، خدمة البشرية جمعاء بروح التعاضد والتعاون في ظل وحدة الرؤية والهدف وتناسق الأفكار والاتجاهات، ويتجلى هذا بأفضل صوره بالمشورة التي أمر بها حضرة بهاء الله في جميع الشؤون وعلى أسس روحانية عامة لا نفعية ذاتية، ولا يعني ذلك التماثل بل استخدام الإبداعات والقدرات الفردية والجماعية لخدمة مسار واحد يحقق للبشرية ما تصبو إليه من سلام وأمان واطمئنان.


%
تقدم القراءة
- / -