الدين البهائي
"لتكن رؤيتكم عالمية ..." -- حضرة بهاء الله
"لو رزقت قليلًا من زلال المعرفة الإلهيّة لعرفت بأنَّ الحياة الحقيقيّة هي حياة القلب لا حياةُ الجسد ..." -- حضرة بهاء الله
"إن دين الله ومذهب الله يهدف إلى حفظ واتحاد واتفاق العالم والمحبة والألفة بين اهل العالم." -- حضرة بهاء الله

الإنسان وعالم الطبيعة

عالم متكامل مترابط ومتوازن في تنوعة الكبير، وتعيش مكوّناته وفقاً لقواعد ومبادئ محدّدة، وأي خلل في أحدها يصيب الباقي بالضرر. يمكن تصوُّر علاقة المخلوقات بعالم الطبيعة كعلاقة الجنين بالرحم. فالعالم المادي هو الأساس لحياتنا وتنمية قدراتنا ومواهبنا اللازمة لتطورنا المادي وتقدّم حضارتنا وترقّينا الروحي في رحلة حياتنا في هذا العالم وعوالم الله الروحانية بعد الموت.


يصف حضرة بهاء الله الطبيعة بأنها تحكي عن صفات الله وإرادته. هذه النظرة تغرس فينا إحتراماً وتقديرًا وحرصًا كبيرًا على الحفاظ على ما فيها من توازن بتقدير إلهي حرصًا على حياتنا كبشر. ومهما كان تقديرنا لدورها الهام في حياتنا، لا ينبغي اعتباره دعوة لعبادة الطبيعة. والإنسان الذي خُلقت الطبيعة لأجله يملك القدرة والمواهب الفكرية لا لأن يصبح أسيرًا لها، بل ليستطيع أن يسخّرها ويتغلب على قانونها شريطة ألا يعبث بها ويدمرها ويخل بالتوازن البيئي الذي جعله الله لمنفعة الإنسان.


ستكون هناك دائماً حاجة إلى الموارد المادية لتقدم الحضارة. ومع تزايد الوعي بوحدة الجنس البشري، أصبح من المقبول بشكل متزايد أن الأرض بكل ثرواتها الظاهرة والباطنة تعتبر مِنَحًا إلهية لعموم البشر من حق كل فرد فيه التمتع بخيراتها بكل عدالة وإنصاف، لا أن تنحصر بسكان المناطق التي توجد فيها الموارد الباطنية دون غيرهم. يؤمن البهائيون بأن الأرض بثرواتها هي أمانة إلهية بيد البشرية في كل زمان ومكان، وعلى الأجيال أن تحافظ عليها في تعاقبها لتبقى مصدرًا نقيًا لحياة سليمة مزدهرة.


بالطبع، ليس هناك من ينكر أن النظام العالمي الحالي لم ينجح في حماية البيئة وضمان رفاهية الإنسان في مواجهة الأضرار المدمرة. فإن الإنغماس الشديد الناشئ عن الجشع الفردي والجماعي، إلى جانب الثقافة الإستهلاكية الحالية التي تحدد الإحتياجات الزائفة للبشر وتشجعهم على إشباع رغباتهم على الفور، تؤدي إلى تفاقم التدهور البيئي. لا يمكن لنا إغفال عدم كفاءة النظام الإقتصادي الحالي، في شتى بقاع العالم في حل المشكلات العالمية طويلة الأجل وأهمها الإحتباس الحراري وآثاره المدمّرة عالميًا إذا بقيت تعالج باقتراحات وتوصيات تبدو لامبالية بقيمة عالم الطبيعة وأهميته لحياة الإنسان. فالهياكل والأنظمة السياسية التنافسية الحالية في العالم غير قادرة على مواجهة حقيقة أن معظم التحديات الرئيسية لها بُعد عالمي، ونتيجة لذلك فشلت في حماية الكوكب وتنظيم موارده.


من بين الأسئلة التي تقودنا إلى بناء مجتمعات ديناميكية ومزدهرة،هي التي تعود إلى علاقة الإنسان مع الطبيعة: كيف يمكن إستخدام وتوزيع الموارد الطبيعية في العالم بشكل صحيح وعادل؟كيف يمكن تطوير التكنولوجيا لخدمة المجتمع الإنساني ككل؟ وكيف يمكن معالجة الإنتاج والتوزيع العادل للسلع والخدمات؟ وحتى يمكن الاستجابة لمتطلبات هذه الأسئلة علينا أن ننظر العالم جسمًا واحدًا تؤثر أعضاؤه على بعضها وتتأثر بها، وأن الأساس الذي يجب أن تقوم عليه جميع الحلول هي قاعدة الفضائل الإلهية الكامنة في الروح الإنساني والمبادئ الأخلاقية السمحة لا نوازع النفس البشرية المنطلقة من متطلبات هذا الجسم ورغباته الحيوانية في طبيعتها.


إن التقدم في الحضارة وتحقيق الرفاهية للفرد والعالم أجمع يستوجب الحفاظ على التوازن البيئي، وهو ما يتطلب تغييرًا جوهريًا في سلوك الأفراد والمجتمعات، ونظرة الهياكل السياسية والإقتصادية والثقافية تجاه المشاكل التي تؤرق المجتمع الإنساني.


%
تقدم القراءة
- / -