المعرفة
لبناء عالم يَعتبر فيه جميعُ سكان الكوكب أنفسهم أعضاء في أسرة بشرية واحدة، وأن تكون العدالة هي المبدأ الموجّه لنظامها الإجتماعي، تحتاج البشرية إلى نظام محكم يمكّن الجميع دون استثناء من الوصول إلى المعرفة بشكل أكبر بكثير ممّا هو متاح الآن. وسيكون التعليم العام عنصرًا أساسيًا في هذا التمكين. لكن الجهود لن تنجح إلاّ إذا تمّت إعادة تنظيم شؤون المجتمع البشري بطريقة تُمكن كلّ فرد ومجموعة من كل طبقة إجتماعية من المساهمة في إكتساب المعرفة وإنتاجها ونشرها.
إحدى هذه المعارف لها ارتباط بمعرفة طبيعة الوجود والغرض من حياتنا. كل شخص هو جزء من البيئة الإجتماعية، فهي تؤثر عليه وتتأثر به؛ لهذا السبب، فإنّ معرفة الذات الحقيقية والغرض من حياتنا الفردية ليست منفصلة عن معرفة طبيعة المجتمع البشري وأهدافه. فالوجود البشري له بُعد روحي يُوفر لحياته الفردية والجماعية غرضًا ساميًا. إن معرفة الذات، من وجهة نظر الدين البهائي، تعني معرفة الفضائل الإلهية الكامنة في الروح، إذ هي مواهب يجب تنميتها للاستفادة منها وتسخيرها في بناء عالم أفضل تبدو فيه الآن ضرورة تحقيق وحدة العالم الإنساني حاجةً ملحة لحل مشاكله المستعصية انطلاقًا من المفهوم البهائي بأن هذه الوحدة إنما هي متأصلة في الوجود الإنساني، وأنه من الواجب معرفة العناصر المؤدية إلى تحقيقها باستخدام جميع ميادين المعرفة وتطبيقها في بناء حضارة إنسانية دائمة التقدم والازدهار. وهنا فقط ستجد المعرفة معناها الحقيقي في وجود الإنسان.
إنّ العلم والدين نظامان للمعرفة يكمل كل منهما الآخر. لقد مكّنت العلومُ البشريةَ من إكتساب فهم أكثر تماسكًا للقوانين والعمليات الكونية، وإكتساب رؤىً قيّمة حول كيفية عمل العقل البشري والنظام الإجتماعي. من ناحية أخرى، فقد نوّر الدين البصيرة وألقى الضوء على الهدف من الحياة، وعلى القيم المشتركة والمبادئ الأساسية التي تؤدي إلى تقدّم الإنسان، كما أنّه يعطي هدفاً بنّاءً لكيفية إستخدام العلوم والمعارف لمنفعة الإنسان والمجتمع وتقدّمه وازدهاره.
في هذه المرحلة الحاسمة من التاريخ، من الضروري تطوير أنماط تعلُّم منهجية جديدة تضم مجموعات من الناس تسعى إلى تشكيل ثقافة جديدة مستوحاة من تعاليم الدين وثمار العلوم في مراحلها التقدمية، وتسخيرها لمساعدة عامة الناس على تنمية قدراتهم ومواهبهم الفكرية، الفردية والجماعية، في سعيهم لتحسين حياتهم والنهوض بمجتمعهم نحو الأفضل. عندها سنرى صورة لمجتمع يعج بفعالية أفراده في اكتساب المعرفة وتطبيقها بالشكل الأمثل بعيدًا عن أطماع المكاسب المادية البحتة المدمرة لحياة الفرد والمجتمع.