الدين البهائي
"لتكن رؤيتكم عالمية ..." -- حضرة بهاء الله
"لو رزقت قليلًا من زلال المعرفة الإلهيّة لعرفت بأنَّ الحياة الحقيقيّة هي حياة القلب لا حياةُ الجسد ..." -- حضرة بهاء الله
"إن دين الله ومذهب الله يهدف إلى حفظ واتحاد واتفاق العالم والمحبة والألفة بين اهل العالم." -- حضرة بهاء الله

اغتنام الفرص: إعادة تعريف التحدي المتمثل في التغير المناخي

اعتبارات مبدئية للجامعة البهائية العالمية


بوزنان، بولندا

۱ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٠٨


أصبحت المناقشات الدائرة حول التغير المناخي(۱) جزءاً أساسياً لا يتجزأ من أي حوار واع بعد أن كان مجالاً منحصراً على العلماء والمفاوضين فقط. تفيد تقديرات موثوقة بأن الاحتباس الحراري في العالم" قطعي الحصول" وذو ارتباط مباشر بالنشاط الإنساني(۲)؛ وأنه يشكل "أعظم فشل شوهد على الإطلاق من ناحية النطاق في السوق"(۳)؛ وأنه يمثل "المَعلم الأعظم في التحديات التي تواجه التطور البشري في القرن الحادي والعشرين"(٤) – كل هذه شدّت انتباه الحكومات والشعوب على حد سواء.(٥) ومع ذلك فإن البحث عن حلول للتغير المناخي قد كشف عن محدودية طرق التعامل التقليدية سواء التقنية أو المختصة بصنع السياسات، وأثارت أسئلة صعبة حول العدالة والإنصاف والمسؤولية والالتزام. وبينما تصارعت المجتمعات المحلية وصانعو السياسات في مختلف أنحاء العالم مع هذه الأسئلة، فقد أوصلونا جميعاً إلى عتبة فرصة هائلة. إنها فرصة لاتخاذ الخطوة التالية في عملية الانتقال من حالة تَعَامُل على الساحة العالمية تكون فيها الدولة هي النواة المركزية إلى أخرى تتأصل جذورها في الوحدة التي تربطنا كساكني محيط حيوي واحد، ومواطني عالم واحد وأعضاء حضارة إنسانية واحدة. إن ما ترتكز عليه مساهمة الجامعة البهائية العالمية هي بيان طبيعة هذه الخطوة وأهميتها وبعض وسائل تحقيقها لشق طريق للخروج من مواجهة تحدي التغير المناخي.


لقد زودتنا عقود من البحث والدعوات وصنع السياسات بقاعدة علمية قوية لاتخاذ إجراءات بشأن التغير المناخي، كما أنها عملت على زيادة وعي الجمهور ووفرت قواعد ومبادىء لتوجيه عملية صنع القرار. بناء على هذا الأساس، شرعت حكومات العالم في جهد تفاوضي هائل يرمي إلى رسم مسار العمل التعاوني بشأن التغير المناخي.(٦) وتتركز المحادثات على رؤية مشتركة طويلة الأجل من أجل العمل التعاوني، بالإضافة إلى هدف عالمي طويل الأمد لخفض الانبعاثات، والذي من المقرر أن يتم من خلال التخفيف من التغير المناخي، والتكيف مع آثاره، وتعبئة الموارد التقنية والمالية. كما تسعى هذه العملية إلى تمهيد الطريق للبلوغ إلى النتائج المتفق عليها في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالتغير المناخي (UNCCC) عام ۲۰۰۹.(۷) ومع استمرار المفاوضات لوضع القوانين والآليات التي تحدد كيفية مساعدة الحكومات للدول المعرضة للخطر ونهج هذا التحدي العالمي، سوف يُختبر صدق عزيمة المجتمع الدولي لمعالجة هذا الخطر المشترك المتمثل في التغير المناخي، بصورة شاملة وعادلة.


ومع ذلك، تتضح الحاجة إلى اتباع نهج جديد يركز على مبادئ العادلة والإنصاف لمواجهة الآثار المدمرة للتغير المناخي، التي تفاقمت بسبب التطرف في الغنى والفقر. وقد أبرز الحوارُ الديناميكي والمتنامي حول الأبعاد الأخلاقية(٨) للتغير المناخي، دورَ الإستقصاء الأخلاقي في التغلب على بعض أعظم التحديات من جهة الصعوبة والارتباط بالعمليات.(٩) من ضمن الأسئلة الأساسية التي يسعى الحوار للإجابة عليها: من هو المسؤول عن آثار التغير المناخي؟؛ من سيدفع كلفة الأضرار؟؛ كيف سيتم تعيين المستوى المرغوب لتركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي؟؛ ما هي الإجراءات التي ستضمن تمثيلاً عادلاً في عملية صنع القرار؟؛ وإذا كانت الدول تتحمل مسؤولية الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كيف تنقل هذه المسؤولية إلى مختلف الوحدات الحكومية والمنظمات والأفراد والجهات الفاعلة غير الحكومية؛(۱۰) إذاً ليس التحدي القائم أمام الجامعة العالمية تحدياً تقنياً فحسب بل أخلاقياً أيضاً، والذي يتطلب تحولاً في الأفكار والسلوكيات يؤدي بهيكلنا الاقتصادي والاجتماعي لتوسيع نطاق فوائد التطور على الناس كافة.


للمساهمة في هذا الحوار المهم، فإننا نؤكد على أن مبدأ وحدة الجنس البشري يجب أن يصبح المبدأ الحاكم في الحياة على مستوى العالم. ولا يسعى هذا المبدأ إلى تقويض الاستقلال الوطني أو قمع التنوع الثقافي أو الفكري. بل على العكس من ذلك، فهو يجعل من الممكن النظر إلى تحدي التغير المناخي عبر منظار آخر - منظار يتصور البشرية ككل موحد، لا تختلف كثيراً عن خلايا الجسم البشري والتي تميزت إلى عدد غير متناه من الخلايا المختلفة في الشكل والوظيفة، بيد أنها متحدة في الهدف المشترك الذي يسمو فوق الغرض الذي صنعت من أجله أجزاؤه المركبة. يشكل هذا المبدأ أكثر من مجرد دعوة للتعاون؛ وإنما يسعى إلى إعادة صياغة وتشكيل أنماط من التفاعل البشري عفا عليها الزمن واتسمت بكونها غير عادلة، لتحل محلها أنماط أخرى تعكس الروابط والعلاقات التي تجمعنا كأعضاء جنس بشري واحد. يجب ألا يكون أي إعتبار جاد لموقع هذا المبدأ في العلاقات الدولية مجرد إقدام نظري غير تطبيقي؛ إذ أن هذا هو القَدْر المطلوب من البحث التحليلي وضمان التعهد اللازمين للمضي قدماً بأخلاقيات تتسم بالتماسك تكفي لحل أزمة التغير المناخي. إن أردنا التقدم إلى أبعد من مجرد جامعة عالمية يدفعها نظام حسابي اقتصادي ومنفعي في مجمله، إلى حيث يتشارك الكل في المسؤوليات لهدف ازدهار جميع الشعوب، يجب على هذا المبدأ أن تتغلغل جذوره في وجدان الفرد. فبهذه الطريقة نصل إلى الأجندة العالمية الأشمل - والتي تشتمل على التغير المناخي، إستئصال الفقر، المساواة بين الجنسين، التنمية وما شابه ذلك - والتي تسعى للإستفادة من الموارد البشرية والطبيعية معاً بطريقة تيسر لترقي وإزدهار الناس كافة.


ستتطلب الإستجابة للتغير المناخي تغيرات عميقة على مستوى الفرد والمجتمع ودول العالم. وسيكون هؤلاء على علم بلا شك، من خلال مواصلة التقدم في ميادين العلم والتقنية والاقتصاد والسياسة. ولاستكمال عمليات التغيير الجارية فعلاًَ، نأخذ في الاعتبار السبل الملموسة التي نستطيع من خلالها تطبيق مبدأ وحدة الجنس البشري تطبيقاً ميدانياً في المستويات المذكورة أعلاه والتي يستطيع فيه هذا المبدأ حشد الزخم والدعم والقدرات الفكرية من أجل أساليب مواجهة أكثر تكاملاً وعدالة للتحدي الماثل أمامنا.


على صعيد الفرد: إشراك الأطفال والشباب


إن أحد المكونات الرئيسة لحل تحدي التغير المناخي هو غرس القيم والمواقف والمهارات التي تؤدي إلى أنماط عادلة ومستدامة من تفاعل الإنسان مع البيئة. وتكمن أهمية شغل الأطفال والشباب في أن هذه الفئة ستستلم دفة القيادة والتصدي للتحديات الهائلة والمعقدة للتغير المناخي في العقود المقبلة. ففي سن مبكرة يمكن تشكيل عقليات وعادات جديدة بفعالية أكبر. وقد تم تسليط الضوء على الدور المهم للتثقيف والتوعية العامة في إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغير المناخ (UNFCCC)(۱۱) وكذلك في عقد الأمم المتحدة للتعليم من أجل التنمية المستدامة (٢٠٠٥ – ٢٠١٤) والذي يعزز التكامل في "كل من المبادىء والقيم والممارسات المتعلقة بالتنمية المستدامة في جميع جوانب التعليم والتعلم".(۱۲)


وهذا يعني، من الناحية العملية، أنه يجب توفير المناهج الدراسية نفسه للفتيات والفتيان، مع إعطاء الأولوية للطفلة التي ستتولى يوماً ما مهمة تثقيف الأجيال المقبلة. على المنهج الدراسي نفسه أن يسعى لتطوير الأطفال في القدرة على التفكير بلغة النظم والعمليات والعلاقات وليس من حيث التخصصات المنعزلة. والواقع أن مشكلة التغير المناخي قد برهنت بقوة على الحاجة إلى نهج متكامل ومنتظم. كما يجب إعطاء الطلاب المهارات الملموسة لترجمة هذا الوعي إلى عمل. ويمكن تحقيق ذلك - إلى حد ما – من خلال إدماج عنصر من الخدمة العامة في المناهج، مما يساعد الطلاب على تطوير قدرتهم على المبادرة بالبدء في المشاريع، وإلهامهم على العمل، والمشاركة في صنع القرار الجماعي، ورعاية حسهم بالكرامة والقيمة الذاتية. عموماً، على المنهج الدراسي أن يسعى جاهداً إلى دمج الاعتبارات النظرية والعملية، وكذلك ربط المفاهيم المتعلقة بالتقدم الفردي مع الخدمة للمجتمع الأوسع.(۱۳)


على صعيد المجتمع المحلي: تعزيز المساواة بين الجنسين وتشجيع الحوار بين العلم والدين.


"يقع على عاتق المجتمع المحلي التحدي المتمثل في توفير المحيط المناسب لتتم عملية صنع القرار في جو من السلام ويتم توجيه القدرات الفردية نحو العمل الجماعي. أحد أكثر التحديات الاجتماعية التي تزعج المجتمعات المنتشرة في جميع أنحاء العالم هو تهميش النساء والفتيات – وهي حالة تتفاقم بفعل تأثير التغير المناخي. فحول العالم، تقع المسؤولية العظمى على النساء لتأمين الغذاء والماء والطاقة لأغراض الطبخ والتدفئة. إن ندرة الموارد الناجمة عن التغير المناخي تضاعف عبء المرأة ويترك لها وقتاً أقل لكسب الدخل أو الالتحاق بمدرسة أو رعاية الأسرة. وعلاوة على ذلك، فإن الكوارث الطبيعية تلحق ضرراً أشد وطأة على النساء نظراً لعدم الحصول على المعلومات والموارد، وفي بعض الحالات، عدم قدرتهن على السباحة أو قيادة السيارة أو حتى الخروج من المنزل بمفردهن. إلاّ أنه سيكون من الخطأً وصم النساء بأنهن الضحية أو أنهن مجرد أعضاء في المجتمع يفتقدن للموارد الكافية؛ فربما يشكلن أكبر مصدر للطاقات الكامنة غير المستغلة في الجهد العالمي للتغلب على تحديات التغير المناخي. إن مسؤولياتهن في الأسر، والمجتمعات المحلية وكذلك في عملهن كمزارعات ومدبّرات لشؤون الموارد الطبيعية يضعهن في موقع فريد لتطوير الاستراتيجيات للتأقلم مع الأحوال البيئية المتغيرة. إن ما لدى النساء من علم وحاجات مميزة وخاصة بهن يعد متمماً لما لدى الرجال، ويجب بحسب ذلك أخذه بعين الاعتبار في جميع مجالات إتخاذ القرار على مستوى المجتمع المحلي. فمن جراء العلاقة بين الرجال والنساء والتشاور الحاصل بينهم يمكن ابتكار الاستراتيجيات الأكثر فاعلية للتخفيف من الأعباء والتكيف مع الظروف.


في ضوء هذا الواقع، يجب على الأمم المتحدة إيلاء مزيد من الاهتمام بالأبعاد الجنسانية التغير المناخي. إذ لا يشير الإطار الرئيسي القانوني ولا العلمي الذي يوجه مفاوضات تغير المناخ – أي الـ UNFCCC والتقرير التجميعي للجنة الحكومية للتغير المناخي التابعة للأمم المتحدة – إلى أي من الجنسين. فللشروع في معالجة هذا الوضع، نناشد الأمم المتحدة والدول الأعضاء أن يشتمل ردهم للتغير المناخي ومفاوضاتهم الحالية والمستقبلية بخصوص إتفاقيات التغير المناخي على بعد يتعلق بالجنسين. كخطوة أولى ونقطة إنطلاق، نقترح أن تشتمل التقارير الوطنية إلى الـ UNFCCC على عنصر يتعلق بالجنسين؛ إن تواجد خبراء بشؤون الجنسين في وفود الـ UNFCCC سيعزز تحليل مسألة الجنسين إلى درجة أعلى. إلاّ أنه يجب عدم تحديد الجهود الرامية إلى إعطاء هذا البعد الخطير للتغير المناخي الاهتمام اللازم، لمجرد تدابير مخصصة. بدلاً من ذلك، يجب دعمها بجهود رامية إلى إدراج وإعلاء صوت المرأة في جميع ميادين النشاط الإنساني وذلك لتهيئة الظروف الاجتماعية لتحقيق التعاون المثمر والابتكار إلى أقصى حد.(۱٤)


ونظراً للقدرة الهائلة للجاليات الدينية ورؤسائها على تعبئة الرأي العام وانتشارها الواسع في المجتمعات النائية في مختلف أنحاء العالم، فهم يتحملون دوراً ثقيل العبء لا مفر منه في مضمار التغير المناخي. وبشتى المقاييس، فقد قامت أعداد متزايدة من الجاليات الدينية بإعطاء أصواتها ومواردها بصورة مستمرة لجهود تخفيف آثار التغير المناخي والتأقلم معها - فهم يعملون على تثقيف جماهيرهم، وتزويدهم بأساس ديني وأخلاقي للعمل، ويقودون أو يشاركون في الجهود المبذولة على المستويات الوطنية والعالمية.(۱٥) إلاّ أنه، يجب الآن أداء هذا الدور وإظهاره في سياق حوار يسعى لإعادة إقامة العلاقات الودية بين المحادثات الجارية بين العلم والدين. فقد حان الوقت لإعادة فحص هذا الإنشقاق الثنائي المعزز بشدة بين نظامي المعرفة بجدية تامة. فنحن في حاجة لكليهما لتعبئة وتوجيه الطاقات البشرية لحل المشكلة المطروحة: تيسر المناهج العلمية حل المشاكل بطريقة موضوعية ونظامية، في حين يُعنى الدين بالميول المعنوية التي تحفز العمل من أجل الصالح العام. وفي عصر يتوق لتحقيق العدالة والمساواة، يجب تفحص العقائد الدينية بدقة متناهية. فالعقائد التي تشجع على الاستبعاد الاجتماعي والسلبية أو عدم المساواة بين الجنسين، سوف تفشل في إشراك شعوب العالم وإذكاء اهتمامهم، في حين أن صفات العدل والرحمة والأمانة والتواضع والكرم – وهي مشتركة بين جميع الأعراف الدينية – ستكون مطلوبة أكثر من غيرها وبصورة عاجلة، وذلك لصياغة أنماط الحياة المجتمعية المتطورة.


على الصعيدين المركزي والعالمي: بناء أسس العمل التعاوني


تتحمل الحكومات، على المستوى الأساسي، مسؤولية التقيد بالالتزامات المعلنة والالتزام بسيادة القانون. وهذا المستوى من الالتزام ضروري لغرس الثقة وبناء العلاقات بين الدول، لا سيما حين شروع الحكومات بالتفاوض بشأن اتفاقية عالمية جديدة حول التغير المناخي. إن الاهتمام بسلامة عملية التفاوض في حد ذاته يمثل تدبيراً آخر لكسب الثقة. كما يجب ضمان أن تشمل المفاوضات كل الأطراف المعنية – أي فئتي الاقتصاد الصناعي والنامي اللذين يمثلان شواغل التخفيف من التبعات والتكيف على التوالي.


في حين أنه من المسلم به أن أي سياسة فعالة للتغيير المناخي يجب أن تكون متجذرة في منظور عالمي، وحتى هذا التوسيع في نطاق المسؤولية لم يحرك الحكومات بنحو كاف لتقوم بالعمل اللازم. يجب أن يتطور هذا المنظور الآن ليعكس الترابط الأساسي والمصير المشترك للبشرية والذي ظل يكافح لفترة طويلة جداً ضد النظرة العالمية التي ركزت على السيادة والهيمنة والمنافسة. تؤشر الجهود الرامية لإعادة صياغة مفهوم السيادة من كونها حق تام إلى كونها مسؤولية، إلى أن تحوّلاً في الوعي نحو درجات أعلى من التضامن العالمي قد بدء بالفعل(۱٦). ومن المؤكد أن حل مشكلة التغير المناخي يفوق قدرات وموارد أي دولة واحدة، بل يتطلب التعاون الكامل من جانب جميع الدول كل وفقاً لإمكانياتها.


إن الحكومات بحاجة الآن إلى التوصل إلى اتفاق يتناسب مع المشكلة المطروحة والتي تلبي إحتياجات المجتمعات الأكثر تعرضاً لآثار التغير المناخي. ويحتاج الإتفاق إلى وضع الأطر المؤسسية المطلوبة(۱۷) وكذلك إنشاء الآليات الدولية القادرة على تعبئة الموارد المالية، وتسريع الابتكار اللازمين للانتقال إلى مجتمع منخفض الكربون. تحتاج الدول الأكثر تقدماً اقتصادياً أن تظهر قيادتها بما يتماشى مع مسؤولياتها التاريخية وقدرتها الاقتصادية، وأن تلتزم بتخفيضات كبيرة في الانبعاثات. أما الدول النامية، وفي نطاق قدراتها وتطلعاتها التنموية، فعليها أن تسهم في الجهود الرامية إلى الانتقال إلى مسارات التنمية الأنظف. هذا هو الوقت المناسب للقادة في جميع مجالات النشاط البشري للمارسة نفوذهم لتحديد الحلول التي تُمكّن البشرية من مواجهة هذا التحدي، وبالتالي رسم مسار مستدام لتحقيق الازدهار العالمي.


لقد قيل الكثير عن ضرورة التعاون من أجل حل التحدي المناخي والذي لا يسع أي دولة أو مجتمع أن يحلها بمفرده. يسعى مبدأ وحدة الجنس البشري الوارد في هذا البيان إلى تجاوز مفاهيم النفعية التعاونية لترسيخ تطلعات الأفراد والمجتمعات المحلية والدول بتلك التي تُعنى بتقدم الإنسانية. من الناحية العملية، يؤكد هذا البيان أن المصالح الفردية والوطنية تُخدم على أفضل وجه عندما تكون مترادفة مع تقدم الكل. وإذ يتلاقى الأطفال والنساء والرجال والجاليات الدينية والعلمية وكذلك الحكومات والمؤسسات الدولية، على هذه الحقيقة، فسوف نقوم بأكثر من مجرد تحقيق استجابة جماعية لأزمة التغير المناخي. سنبدأ في نموذج جديد عن طريق الوسائل التي تمكننا من فهم هدفنا ومسؤولياتنا في عالم مترابط؛ سنأتي بمعيار جديد يُقَيَم على أساسه التقدم البشري؛ سنأتي بنوع من الحكم كله وفاء للعلاقات التي تربط بيننا كأعضاء جنس بشري واحد.


الحواشي:
(۱) التغير المناخي حسب تعريف الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) يشير إلى "تغير في حالة المناخ والذي يمكن معرفته عبر تغييرات في المعدل و/أو المتغيرات في خصائصها والتي تدوم لفترة طويلة، عادة لعقود أو أكثر. ويشير إلى أي تغير في المناخ على مر الزمن، سواء كان ذلك نتيجة للتغيرات الطبيعية أو الناجمة عن النشاط البشري." (IPCC ، سنة ٢٠٠٧، التغير المناخي ٢٠٠٧: التقرير التجميعي. تقييم للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. [Allali, A. وآخرون]. مطبعة جامعة كامبريدج: نيويورك.) تعرِّف "إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" (UNFCCC) التغيرَ المناخي على أنه "تغير في المناخ يعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري والذي يفضي إلى تغير في تكوين الغلاف الجوي للأرض." "(الأمم المتحدة. اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. ثيقة الأمم المتحدة رقم FCCC/INFORMAL/84 GE.05-62220 (E) 200705. 1992).

(۲) تغير المناخ ٢٠٠٧: التقرير التجميعي. انظر الحاشية رقم ١.

(۳) ستيرن ، نيكولاس. ٢٠٠٦. اقتصاديات تغير المناخ. تقرير ستيرن. مطبعة جامعة كامبريدج، كامبريدج، ونيويورك

(٤) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ٢٠٠٧. تقرير التنمية البشرية ٢٠٠٧/٢٠٠٨: محاربة تغير المناخ، والتضامن الإنساني في عالم منقسم. بالغريف ماكميلان: نيويورك. ويذكر التقرير أن الآثار المترتبة على (٢٠) عشرين درجة مئوية أو أكثر زيادة في الحرارة العالمية سوف تشمل، ضمن أمور أخرى: فياضانات ساحلية تؤدي إلى تشريد ١٨٠-٢٣٠ مليون نسمة؛ نقص في المياه يؤثر على ١.٨ مليار نسمة؛ وسوف يضع ٢٢٠-٤٠٠ مليون شخص عرضة لخطر الإصابة بالملاريا.

(٥) سنتذكر عام ٢٠٠٧ على أنه العام الذي ترسخت فيه مسألة التغير المناخي بالأجندة العالمية. في تلك السنة: أهديت جائزة نوبل للسلام بالشراكة إلى آل غور والفريق الحكومي المعني بالتغير المناخي التابع للأمم المتحدة؛ عقد مجلس الأمن أول جلسات مناقشاته حول آثار التغير المناخي على السلام والأمن؛ دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى إجتماع رفيع المستوى مع رؤساء الدول وكبار المسؤولين لزيادة القوة الدافعة وراء مؤتمر الأمم المتحدة حول التغير المناخي في ديسمبر / كانون الأول ٢٠٠٧، والذي ضم ممثلين عن أكثر من ١٥٠ من الدول الأعضاء لرسم مسار جديد لعملية تفاوض جديدة لمعالجة التغير المناخي.

(٦) تبنت الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالتغير المناخي عام ٢٠٠٧ قرارات يشار إليها مجتمعة باسم "خارطة طريق بالي"، والتي أَنشأت لعملية تفاوضية شاملة لتحقيق التنفيذ الكامل لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. كما تتناول "خارطة الطريق" المفاوضات حول مزيد من الالتزامات بموجب بروتوكول كيوتو بعد عام ٢٠١٢، وتحدد موعداً نهائياً لانجاز هاتين العمليتين في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في كوبنهاجن في نهاية عام ٢٠٠٩. (اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، مؤتمر الأطراف، الدورة ١٣. تقرير لمؤتمر الأطراف، وثيقة الأمم المتحدة رقم FCCC/CP/2007/6/ and Add.1. 14 March 2008).

(۷) منظم للمؤتمر هو UNFCCC (انظر الحاشية رقم ٦) وسوف ينعقد في كوبنهاجن من ٣٠ نوفمبر / تشرين الثاني – ۱۱ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٠٩. ويهدف المؤتمر إلى اختتام المفاوضات على اتفاق المناخ العالمي، ووضع أهداف لخفض الانبعاثات في الدول الصناعية بعد عام ٢٠١٢ ( حين إنقضاء المهلة الأولى من بروتوكول كيوتو). وبروتوكول كيوتو هو اتفاق دولي ملزم مرتبط بالـ UNFCCC، والتي وضعت الأهداف المرجوة لسبعة وثلاثين دولة صناعية بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى متوسط قدره خمسة في المئة من مستويات عام ١٩٩٠ خلال الفترة بين ٢٠٠٨ و ٢٠١٢. (الأمم المتحدة. بروتوكول كيوتو لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. ١٩٩٨)

(٨) يشير تعبير "الأخلاقيات" (ethics) إلى مجال البحث الفلسفي الذي يبحث المبادىء الأخلاقية، ومعايير السلوك، ومفهومَيْ الصواب والخطأ، فضلاً عن الدوافع والنتائج المترتبة على السلوك البشري.

(٩) بدأت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية (UNFCCC) ( انظر الحاشية رقم ۱) بتفعيل النهج الأخلاقي لمواجهة التغير المناخي عن طريق وضع مبادىء توجّه عمل الدول الأعضاء لتحقيق أهداف المؤتمر. تشمل هذه المبادىء: الاهتمام بالاحتياجات المحددة للبلدان النامية، واعتماد تدابير وقائية ومبدأ المسؤوليات المشتركة والمتباينة في آن واحد

(۱۰) تحليل الأبعاد الأخلاقية المترتبة على تغير المناخ هو منصوص عليه في: براون، د. وآخرين. ٢٠٠٦. الكتاب الأبيض عن الأبعاد الأخلاقية لتغير المناخ. البرنامج التعاوني عن الأبعاد الأخلاقية لتغير المناخ، أخلاقيات معهد روك، جامعة ولاية بنسلفانيا: ستيت كوليدج في بنسلفانيا.

(۱۱) تُعنى المادة ٦ من (UNFCCC) ( انظر الحاشية رقم ۱) بموضوع "التعليم والتدريب والتوعية العامة" وتنص على أنه يتعين على الدول الأطراف الالتزام "بوضع وتنفيذ البرامج التثقيفية والتوعية العامة بشأن تغير المناخ وآثاره؛ ومدى سهولة وصول الجمهور إلى المعلومات بشأن تغير المناخ وآثاره..."

(۱۲) قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر / كانون الأول ٢٠٠٢ إطلاق عقد الأمم المتحدة للتعليم من أجل التنمية المستدامة (٢٠٠٥ –٢٠١٤)، مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بوصفها الوكالة الرائدة. تسعى جهود هذا العقد إلى تشجيع التغييرات في السلوك التي من شأنها خلق مستقبل أكثر إستدامة من حيث السلامة البيئية، والنمو الاقتصادي، ومجتمع عادل للأجيال الحاضرة والمقبلة. ينطوي التعليم من أجل التنمية المستدامة على تعلم: الاحترام؛ تقدير قيمة إنجازات الماضي؛ تقدير عجائب الأرض وشعوبها؛ العيش في عالم حيث يكون لكل الناس ما يكفي من الغذاء من أجل حياة صحية ومنتجة؛ تقييم كوكبنا ورعايته واستعادة حالته السليمة؛ خلق عالم أفضل وأكثر أمناً وأكثر عدالة نستمتع به؛ وكيف نكون مواطنين مراعين يمارسون حقوقهم ومسؤولياتهم محلياً ووطنياً وعالمياً. (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الدورة ٥٩. عقد الأمم المتحدة للتعليم من أجل التنمية المستدامة. وثيقة الأمم المتحدة رقمA/Res/59/237. 24 February 2005).

(۱۳) لقد روجت الجامعة البهائية العالمية بشدة فكرة المواطنة العالمية باعتبارها الأساس الأخلاقي للتنمية المستدامة، على أن يكون مفهوماً أنه ليس هناك سوى شعور عميق بالمسؤولية عن رفاه الإنسانية من شأنه تحريك المجتمع المدني والحكومات لتخصيص الموارد اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة. (الجامعة البهائية العالمية. ١٩٩٣. المواطنة العالمية: أخلاقيات عالمية من أجل التنمية المستدامة، نيويورك).

(۱٤) في هذا الصدد، يجب على الأمم المتحدة العمل على تعزيز آلياتها لتحقيق المساواة بين الجنسين عن طريق زيادة القدرة الفاعلة والسلطة العاملة والموارد المخصصة لحماية وتعزيز حقوق الإنسان للمرأة والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.

(۱٥) في حين أنه لا يمكن إنكار أن القوة المؤثرة للدين تستخدم لأغراض ضارة، إلاّ أن العديد من الأديان، في سياق التغير المناخي، قامت بمناشدة مجتمعاتها لحسن التعاطف وتبني تلك القيم التي تتجاوز المصالح الذاتية. ولإجراء دراسة لدور الدين في التصدي لتغير المناخ انظر: Posas ، بولا J. ٢٠٠٧. "أدوار الدين والأخلاق في التصدي لتغير المناخ"، الأخلاقيات في مجال العلم والسياسة البيئية. مجلد. ٢٠٠٧ : ٣١-٤٩.

(۱٦) إن المسؤولية عن حماية مذهب ما تلزم الدول على المستوى الفردي ومن ثَم المجتمع الدولي بمنع وإنهاء أعمال العنف غير المعقول بغض النظر عن مكان حدوث تلك الأفعال. والمسؤولية عن حماية مذهب تشتمل على "مسؤولية الوقاية" و"مسؤولية إعادة البناء" باعتبارها عناصر أساسية قبل وبعد أي إجراء للتدخل. (اللجنة الدولية المعنية بالتدخل وسيادة الدولة [ICISS]، مسؤولية الحماية: تقرير اللجنة الدولية المعنية بالتدخل وسيادة الدول. ديسمبر ٢٠٠١) يدحض هذا المفهوم الزعم منذ أمد طويل في ميثاق الأمم المتحدة أن لا يوجد حق في "التدخل في الشؤون التي تكون من صميم السيادة الداخلية لأي دولة". مفهوم أيدته الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في القمة العالمية عام ٢٠٠٥ ومجدداً في وقت لاحق من قبل مجلس الأمن الدولي.

(۱۷) رغم عدم وضوح الشكل المستقبلي للهياكل المؤسساتية، إلاّ أنه يزداد وضوحاً أنها سوف تحتاج إلى التوفيق بين التوتر الحاصل من الحاجة لإدارة موارد الأرض على نطاق عالمي، والحق السيادي للدول في استغلال مواردها وفقاً لأولويتها التنموية. يعرض تقرير الأمين العام المسمى "توحيد الأداء" [delivering as one] العديد من التوصيات لتعزيز استجابة الأمم المتحدة للتغير المناخي. (الأمم المتحدة، الفريق رفيع المستوى من طرف الأمين العام في الأمم المتحدة، بالاتساق على نطاق المنظومة في مجالات التنمية والمساعدة الإنسانية، والبيئة. توحيد الأداء: تقرير الفريق رفيع المستوى من طرف الأمين العام. ٩ نوفمبر ٢٠٠٦). لتهيئة أسس أوسع للتوافق، سوف يكون من المفيد توضيح المهام الرئيسة التي سوف تحتاجها المؤسسات العالمية في المستقبل من أجل تحقيق التخفيف من الآثار الفاعل والتكيف معها. وهذه تشمل: مساعدة الفئات الأضعف في التعامل مع تغير المناخ، وحشد الموارد المالية الكافية، وتسهيل الاستجابة العالمية في الوقت المناسب للصدمات المناخية، والإشراف والمساءلة وآليات الإبلاغ، وتوفير الأطر القانونية، وإدارة وضمان المساواة في الحصول على موارد الأرض، وإدماج التشريعات البيئية في جداول أعمال التنمية الاجتماعية الأخرى.


النص الإنجليزي:

Seizing the Opportunity: Redefining the challenge of climate change
BIC Document #08-1201
Category: Social Development


%
تقدم القراءة
- / -