الدين البهائي
"لتكن رؤيتكم عالمية ..." -- حضرة بهاء الله
"لو رزقت قليلًا من زلال المعرفة الإلهيّة لعرفت بأنَّ الحياة الحقيقيّة هي حياة القلب لا حياةُ الجسد ..." -- حضرة بهاء الله
"إن دين الله ومذهب الله يهدف إلى حفظ واتحاد واتفاق العالم والمحبة والألفة بين اهل العالم." -- حضرة بهاء الله

العظمة التي يمكن أن تكون لهم: تعليم الفتيات - استثمار في المستقبل

بيان مقدم من الجامعة البهائية العالمية كوثيقة رسمية للاجتماع التاسع والثلاثين لمفوضية الأمم المتحدة الخاصة بوضع المرأة.
البند الثاني من جدول الأعمال المبدئي: "التنمية: محو الأمية، التعليم والتدريب، بما في ذلك المهارات التكنولوجية."


نيويورك- الولايات المتحدة

١٥ آذار/مارس- ٤ نيسان/إبريل ١٩٩٥


"لا شك أن التعليم سيحقق للمرأة المساواة مع الرجل." عبدالبهاء


لفترة تقارب الخمسة وعشرين سنة، أي على مدى جيل كامل، كانت المعطيات متوفرة لتوثيق العلاقة بين مختلف مؤشرات التنمية وتعليم الفتيات. ومن انخفاض معدل وفيات الأطفال، والخصوبة، وحالات الإصابة بمرض الإيدز إلى التحسن في البيئة، فقد ثبت بوضوح بأن تعليم الأم هو الذي يحدث فرقاً كبيراً(۱)، وأن الآثار الإيجابية تزداد مع كل سنة إضافية تقضيها الفتاة في المدرسة. عند الأخذ بعين الاعتبار كل الفوائد المترتبة، نجد أن تعليم الفتيات يشكل أعلى نسبة من المردود مقارنة مع أي استثمار يتم في العالم النامي.(۲) وبالتالي، فإن قرار الاجتماع التاسع والثلاثين للمفوضية بأن تشمل أولويةُ التطوير موضوعَ تعليم الفتيات والنساء، يعتبر استجابة يرحب بها البهائيون الذين تدعو تعاليمهم إلى المشاركة التامة والمتساوية بين النساء والرجال.


تتحدث الكتابات البهائية عن ثلاثة أنواع من التربية: الجسمانية والإنسانية والروحانية. فالتربية الجسمانية تختص بتطور ونمو الجسم ، أي أنها تعلم الناس كيفية تحسين الصحة الجسمانية والتي تشمل تحسين التغذية والنظافة وصحة الأسرة، وتحقيق قدرة أكبر على الكسب وتوفير الطعام والمسكن والملبس. وتختص التربية الإنسانية بالمدنية والتطور في النشاطات الضرورية للإنسانية والتي تميزها عن عالم الحيوان، من قبيل المعرفة بالتجارة والعلوم والفنون، وفهم وإدراك معنى المؤسسات والسياسات. أما التربية الروحانية أو الأخلاقية فتخاطب القيم وتُشكل الشخصية؛ وتحدد بصورة كبيرة الهدف الذي سيستخدم لأجله كل إنسان العلم الذي يكتسبه.


حدد المجتمع الدولي أهدافاً طموحة للتعليم المادي أو الأساسي في "إعلان جومتين Jomtien"، الصادر عن المؤتمر الدولي حول "التعليم للجميع" (EFA Education for All-) المنعقد في ١٩٩٠. وتضمنت تلك الأهداف توفير مستوى عال من التعليم الابتدائي على نطاق عالمي، يكفل تزويد كل طفل بوسائل التعليم الأساسية كالقراءة والكتابة، الحساب ومهارة حل المعضلات. ويظهر تقرير حديث من اليونسكو خاص بالتقدم نحو هدف (التعليم للجميع) في ١٢١ بلداً أنه في حين أن ٩٠% أكملوا خطط (التعليم للجميع)، إلا أن ١٠% فقط قد وضعوا ميزانية للموارد الضرورية لتحقيق أهداف (التعليم للجميع).(۳) إن الالتزام بتوفير هذا المستوى الأساسي في التعليم المادي لا زال بحاجة إلى التنفيذ من قبل رؤساء العالم.


إن التعليم العلمي والتكنولوجي والمدني، الذي يدرجه البهائيون تحت عنوان التعليم الإنساني، يتوفر بشكل متزايد في المرحلة الثانية والثالثة من التعليم في الدول المتقدمة. وفي بعض البلدان وفي مجالات دراسية محددة، أصبح حصول النساء على التعليم في المرحلة الثالثة سبباً في جعلهن أفضل تعليماً من الرجال. ولكن أفلت من أغلبهن مواكبة العصر الحديث، وقد يأتي القرن العشرون وينتهي تاركاً عدداً كبيراً من النساء دون أي تأثير.


نادراً ما نرى التعليم الروحاني أو الأخلاقي خارج مدارس الأبرشيات أو المؤسسات الدينية. إذ تتجنبه معظم الدول المتقدمة معتبرة أنه دخيل على التعليم الحديث ولا علاقة له به، ونادراً ما يتم دعمه مالياً من قبل المتطوعين الدوليين. إنه نوع من التعليم الذي يؤكد كرامة الروح الإنساني رغم تنوعه الكبير، ويُشكل علاقته بالألوهية. لقد أخذت بالاختفاء القيم الإنسانية العالمية مثل الأمانة، الصدق، الأدب، الكرم، الاحترام واللطف على نحو متزايد في عالمنا المحطم والمولع بالقتال. فمن خلال التعليم الخُلقي والمسلكي، سواء تم وضعه في برامج دينية أو علمانية أو تم تقديمه بشكل غير رسمي بواسطة عائلة حكيمة ومهتمة أو من خلال أفراد المجتمع، فإن ما يقدّره المجتمع وما يعطي معنىً للحياة سوف ينتقل للأجيال القادمة.


يرى البهائيون أن الأنواع الثلاثة من التعليم مهمة. وتشجع الكتابات البهائية النساء على دراسة كل أنواع العلوم البشرية والمساهمة كشركاء متساوين مع الرجال في كل مناحي الإقدامات البشرية. وتؤكد الكتابات البهائية "أنه من الواضح... أن أهمية تعليم الفتيات تفوق بكثير أهمية تعليم الفتيان. وهذه الحقيقة مهمة جداً، ويجب النظر إلى هذا الموضوع بأكبر طاقة وأشد تكريس."(٤)


من بين نتائج توفير التعليم الأساسي للفتيات هو تحسين الظروف المادية. فقد أظهرت الأبحاث بأنه مهما كان مضمون منهاج الدراسة، فإن الفتيات يستفدن من الذهاب للمدرسة، ومن اكتساب المهارات في حل المسائل، ومن توسيع عالمهن، ومن المشاركة في أساس المعرفة المتاح غالباً للفتيان والرجال. تقدم مساهمات المرأة في العلوم والفنون، وإن كانت جزئية، دليلاً على أنه عندما تُعطى الفرصة للفتيات والنساء، فإن لهن القدرة الفكرية على تحسين الوضع الإنساني بشكل جوهري. ولكن فيما يخص التعليم الروحاني، لا توجد هناك رسوم بيانية ولا تقارير عن تقدّم العمل، ولا دراسات كميّة يمكنها أن تثبت للعالم أهمية تجهيز الأجيال القادمة بالقيم اللازمة لتأسيس الوحدة والتعاون كأساس للعمل في مجتمع عالمي يعتمد على بعضه بعضاً. تؤكد الكتابات البهائية في هذا المجال على الإيجابيات الفريدة التي تضفيها الفتيات المتعلمات إلى دورهن كأمهات ومربيات أوائل للجيل القادم، ليس فقط كأعظم ناشرات للمعرفة في المجتمع، بل كباعثات للقيم الثقافية والاجتماعية الجوهرية.(٥) لقد حان الوقت لنساء العالم، على الأقل، ليضيفوا التماسًا لتثقيف الروح الإنسانية للنداء الصادر لإصلاح التعليم.


إن الفشل في تعليم الروح الإنسانية وإهمال بناء الشخصية قد أديا على ما يبدو إلى العديد من المشاكل الاجتماعية العسيرة. وبالنظر إلى الأهمية الواضحة لتعليم كل من الفتيات والفتيان والفوائد الموثقة التي تجلبها النساء المتعلمات لأسرهن ومجتمعاتهن وشعوبهن، فإن الفشل المستمر في ضمان تعليم الفتيات يوحي بنقص الإرادة. في الواقع إن الالتزام غير الكامل بالتعليم عموماً، وبتعليم الفتيات والنساء خصوصاً، يمكن أن يُعزى إلى كل من غياب الرؤية المستقبلية والروح الملهمة لتحقيقها.


يشير تقرير الأمين العام إلى عدد من العوائق الجسيمة أمام تعليم الفتيات ويقترح إجراءات للتغلب على هذه العوائق. ولكن، فإننا نلاحظ غياب أية إشارة إلى المبادئ أو القيم الإنسانية التي قد تلهم التحول الفردي والجماعي في المواقف والسلوك. يجد البهائيون في مبدئَيْ وحدة الجنس البشري ومساواة الرجل والمرأة ما يلهم للتخلي عن كافة التعصبات، بما فيها تلك المبنية على الجنس والجنسية والعقيدة ودرجة التمدن المادي والطبقة واللون. يجب أن يُدرّس مبدأ وحدة الجنس البشري، المتضمن إدراك قيمة كل عضو في العائلة الإنسانية، في كل المدارس ويُنادَى به عالمياً و"تؤكد عليه كل أمة استعداداً للتغيير العضوي في بنية المجتمع الذي تضمنه هذا المبدأ."(٦)


في الواقع، سوف تحدث تغيرات عميقة عندما تتحرك النساء لأخذ أماكنهن في هيئات اتخاذ القرار في مختلف الاختصاصات في أنحاء العالم. وليس بالضرورة أن يُحدِث هذا الانتقال العضوي خلافاً أو نزاعاً. فحسب وجهة النظر البهائية، يعتمد التقدم المادي والروحاني للمجتمع على الاشتراك الكامل للمرأة في كافة ميادين النشاطات الإنسانية. لذلك يسعى الدين البهائي لتحقيق مشاركة كاملة وحيوية مع الرجال لإحداث التقدم الحضاري الشامل. وفي الواقع، يجب أن يشتمل جزء مهم من برامج تعليم الفتيات الأوسع على إعادة تثقيف الذكور وإعدادهم للمشاركة. فيجب منح الفتيان والرجال الفرصة لإدراك، من ناحية، الآثار السلبية للمواقف السلوكية والقيم التي تشجع العنف والظلم والحرب، وأن يروا، من ناحية أخرى، المزايا التي تعود على مجتمعاتهم وعائلاتهم وأنفسهم عندما تتعلم الفتيات.


وإذ نقترب من نهاية الألفية الثانية، يبدو أننا في حاجة إلى سنة من التأمل لإتاحة الفرصة لأهل العالم للتفكر في الطريقة الأفضل للتجاوب مع التغييرات السريعة والقوية التي تعمل على إحداث تحول للحياة على الكوكب. وقد تستقبل النساء العام الجديد باستضافة مؤتمر عالمي حول السلام العالمي والازدهار. فمؤتمر كهذا يمكنه بحث سبل تسريع عملية نزع السلاح، وتقليص التعصبات، وخلق رؤية لرفاه العالم وسلامته، ليس فقط من الناحية الاقتصادية ولكن من ناحية نوعية وجودة الحياة.


قد تؤدي سنة من التأمل إلى تسريع عملية خلق رؤية مشتركة للمستقبل وقد توفر للمجتمعات المحلية والمركزية والإقليمية الفرصة لاختبار قيمها التقليدية وتحديد تلك التي ستساعد البشرية لتحقيق رؤية الازدهار العالمي. وقد تبرز من مؤتمرات كهذه قيم ومبادئ يمكن أن يتم تبنيها عالمياً، ومن ثم ترجمتها إلى إقدامات واقعية.


تستطيع الجامعة البهائية العالمية، استناداً على تجربتها، أن تؤكد على أن تمحيص وإعادة تشكيل المعتقدات التقليدية والقيم وتعديلها للتكيف مع رؤية جديدة يمكن أن يتحقق بأسلوب سلمي وتوافقي وتشاركي. ونحث المجتمع الدولي على وضع برنامج عمل للتأمل، ونتعهد بتقديم دعمنا لهذه المبادرة النبيلة.


الحواشي:

(۱) "تبني قضية التفاوت الجنسي: النساء والثروة وخير الشعوب"، تقارير تقنية حول الجنس والنماء، مكتب النساء للنماء، وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية، ١٩٨٩.

(۲) لورنس ﻫ. سمرز، نائب رئيس وكبير الاقتصاديين في البنك الدولي، "الاستثمار في كل الناس"، ١٩٩٢.

(۳) نات كوليتا، "التعليم للجميع: ماذا بعد؟" مقال للبنك الدولي، ١٩٩٤.

(٤) حضرة عبدالبهاء "التعليم" #٦٣٥، مختارات مجمعة من الآثار المباركة، ص ٢٨٦.

(٥) حضرة عبدالبهاء، مقتطفات من آثار حضرة عبدالبهاء #٩٥ ص ١٢٤-١٢٥.

(٦) بيت العدل الأعظم، "الى أهل العالم" الجزء ٣، الفقرة ٣.


النص الإنجليزي:

The Greatness Which Might Be Theirs: Educating Girls—An Investment in the Future
BIC Document #95-0826.1
Category: Advancement of Women


جميع حقوق النشر محفوظة
Copyright © DeenBahai.org
%
تقدم القراءة
- / -