الدين البهائي
"لتكن رؤيتكم عالمية ..." -- حضرة بهاء الله
"لو رزقت قليلًا من زلال المعرفة الإلهيّة لعرفت بأنَّ الحياة الحقيقيّة هي حياة القلب لا حياةُ الجسد ..." -- حضرة بهاء الله
"إن دين الله ومذهب الله يهدف إلى حفظ واتحاد واتفاق العالم والمحبة والألفة بين اهل العالم." -- حضرة بهاء الله

تمكيـن الفتيـات

 بيان الجامعة البهائيّة العالميّة الموجّه إلى الجلسة الثانية والأربعين لمفوضيّة الأمم المتّحدة الخاصّة بوضع المرأة. البند الثالث من جدول الأعمال المؤقت. الموضوع ذو الأولوية: الطفلة الفتاة- إيجاد بيئة مواتية لتمكين الفتيات.


نيويورك، الولايات المتّحدة الأمريكيّة

۱۳-۲ آذار/ مارس ۱۹۹۸


 سَعدت الجامعة البهائيّة العالميّة بشكل خاص لأنّ منهاج عمل بكّين اعتبر الطفلة الفتاة كقضية ذات اهتمام كبير. إنّ البهائيّين نشيطون، ومنذ أمد بعيد، في الجهود المبذولة لتلبية الاحتياجات التطويريّة للفتاة، لكي تصبح قادرة كامرأة على المساهمة الكاملة في تقدّم الحضارة. وفي الواقع، هناك وعد صريح في الآثار البهائيّة ينصّ على أنه "حين تشارك النّساء مشاركة كاملة وعلى قدم المساواة مع الرجال في الشؤون العالميّة، وحين يدخلن بمنتهى الثّقة والقدرة مضمار القانون والسّياسة فإن شعلة الحرب ستنطفئ تماما."(۱) لذا فإنه من المناسب حقًّا أن تقوم المفوضيّة في جلستها الثانية والأربعين الخاصة بوضع المرأة بتركيز الانتباه على تحدّي إيجاد بيئة مواتية لتمكين الفتاة.


 عند تشاور المفوضيّة بخصوص ما قد تفعله الحكومات والمنظّمات غير الحكوميّة لإيجاد بيئة مواتية لتتمكن الفتيات من تطوير قدراتهن وتساهم في تمكينهن من أجل المشاركة الكاملة في شؤون العالم، نقدّم ما يلي من اقتراحات للنّظر فيها من قِبَلكم.

 

البيئة الأولى والأكثر تأثيرًا على الطفلة الفتاة هي عائلتها. فهي تتعلّم من عائلتها وأسرتها الممتدّة حقيقة كنهها ودورها في هذا العالم. فإذا كانت بيئة العائلة محفّزة لتمكين الفتيات، فإن الفتيان والفتيات يعاملون بنفس القَدْر من المحبّة والتّقدير، ويجب صون حقوق جميع أفراد الأسرة، كما يجب تعليم الأطفال على احترام أنفسهم والآخرين وتربيتهم على كيفيّة الحفاظ على اتحاد الأسرة وترابطها.

 

 

وجوب تعليم الفتيات. إن التعاليم البهائيّة تؤكد على أنّ "علّة افتقار المرأة للتقدّم والكفاءة" إنّما يعود "لحاجتها لقدر متساوٍ من التّعليم والفرص". لو سُمح لها بهذه المساواة، فلا شكّ أنّها ستصبح نظير الرجل في القدرة والإمكانات."(۲) إنّ تربية وتعليم الفتيات على درجة من الأهمّية، بحيث لو أنّ قلّة الإمكانات (المادّيّة مثلا) فرضت على الوالدين ضرورة الاختيار [بين تعليم الفتيان والفتيات] يُنصح الوالدان في هذه الحالة بإعطاء الأولوية في التّعليم لبناتهم. إنّ الواجب يدعو لإعداد الفتيات ليس فقط للمشاركة الكاملة في شؤون العالم، ولكن أيضًا للقيام بمسؤولياتهنّ كأمّهات وأولى المعلّمات للجيل القادم.

 

 

وعلى الفتيان أن ينشأوا بطريقة تغرس فيهم الإدراك لمساواة الرجل والمرأة، وأن يتهيأوا للعمل جنبًا إلى جنب مع النساء كشركاء متساوين في جميع النشاطات الإنسانيّة. إن الفشل في تربية الفتيان على سلوك المساواة سيكون له نتائج سلبية جدًا، ليس فقط على الفتيات بل على المجتمع بأَسره. وطالما استمر التساهل مع الظلم الواقع على المرأة، سيستمرّ الرّجل في تبنّي مواقف سلوكيّة وعادات ضارّة، ينقلها معه من ميدان الأسرة إلى موقع العمل، والى الحياة السياسيّة، وفي النّهاية إلى العلاقات الدولية. وبسبب الموقف الفوقي المُعزَّز لدى الرجال، عن طريق معتقدات خاطئة، والتي هي غالبًا ما تكون عن غير وعي منهم، يستدعي وضع برامج توعية للذّكور، الفتيان منهم والرّجال، للسبل التي قد تجعلهم وبدون قصد، يثبطون من عزائم الفتيات ويعرقلون تقدمهنّ.(۳)

 

 

وبالمثل فإن المسؤولين عن تطبيق القانون، والقضاة وغيرهم من ولاة أمور المجتمع الذين تقع على عاتقهم مسؤولية حقوق المرأة والطفل، يجب أن يكونوا واعين للطرق التي يتم فيها اضطهاد المرأة وسلب الفرص منها.

 

 

لقد نوقشت التأثيرات الإعلاميّة السلبيّة على نطاق واسع، إلاّ أنّ الإمكانات الإعلاميّة الإيجابيّة لا تزال غير مستغلّة بدرجة كبيرة. فيجب إذًا تذكير الإعلام بمسؤوليّاته في تشجيع القيم الاجتماعيّة الإيجابيّة لدى الفتيان والفتيات وتحسين الصورة التى تُقدّم بها المرأة. فالإعلام يستطيع أن يعزّز الأفكار التي تشير إلى أنّ الفتيات من حقهن المساواة في الحقوق مع الرجال، وأنّ تَقَدّم المجتمع يعتمد على المشاركة الكاملة للنساء، وأنّ الفتيات لهنّ نفس القدرة ممّا لدى الفتيان، وأنّ النساء سيكونّن قوة عظيمة لإرساء قواعد السلام.

 

 

لا يمكن لأية محاولة لتصحيح الشؤون الإنسانية أن تتجاهل الدين. ورغم أن معظم الأديان حسّنت مقدرات النساء في السنين الأولى من ظهورها، إلا أن الاعتراف وارد بأن الدين قد إستُغلّ أيضًا كذريعة لقمعهنّ. وعلى قادة الأديان والمؤمنين بأيّ دين وفي كل مكان أن يتحمّلوا المسؤوليّة الخاصّة لإعادة تأكيد تلك المبادئ الروحانية الأبديّة التي توحّد القلوب وتحرّر قدرات كلّ نفس. فعلى سبيل المثال، نجد في تعاليم كلّ دين الأمر بأن نعامل النّاس كما نحبّ أن يعاملوننا. فلو كانت هذه النّصيحة هي المبدأ الهادي لجميع التعاملات، بما في ذلك التعاملات بين الرجال والنساء والفتيات والفتيان، فستزول تدريجيًّا العديد من المعتقدات والممارسات التقليديّة الضّارة.

 

 

إن للحكومات القدرة عن طريق سياساتها، أن تدعم جهود الأفراد والأسر والمعلمين والمسؤولين عن تنفيذ القانون وكذلك الإعلام وقادة الأديان، من أجل إيجاد بيئة تشجّع النّساء والفتيات على تطوير قدراتهنّ والدخول في مدارات جديدة من الخدمة.

 

 ختامًا، إن الجامعة البهائيّة العالميّة مستعدة للمساهمة في السعي لإيجاد بيئة مواتية لتمكين الفتيات. حيث أنّ وجهة النّظر البهائيّة هي أن : "العالم البشري له جناحان - أحدهما الرّجال والآخر النّساء. ولا يستطيع الطّائر أن يطير إلاّ إذا نما الجناحان بدرجة متساوية. فالطّيران مستحيل إذا كان أحد الجناحين ضعيفًا، ولا يمكن بلوغ النجاح والرفاه بالصّورة التي تجب، إلاّ إذا كان عالم النساء مساويًا لعالم الرّجال."(٤)


الحواشي:

(۱) عبد البهاء، ترويج الصلح العمومي ص ۱۳٤-۱۳٥

(۲) عبد البهاء، ترويج الصلح العمومي ص ۱۸۲

(۳) باختصار، ستبقى فرضية الأفضليّة للرّجال محبطة لطموحات النساء، كأن يكون عدم إمكانية بلوغهنّ للمساواة متأصلاً في خَلقهن؛ ويكون هذا معيارًا لتطلعات النساء للتقدّم ممّا سيؤدي هذا تدريجيًا الى فقدانها الأمل. على العكس من ذلك، يجب أن نعلن أنّ قدراتهن متساوية، لا بل أعظم من قدرات الرّجال. وسيستلهمن من ذلك الأمل والطّموح، وسيؤدي الى التزايد المستمر لقابليتهن للتقدّم. يجب أن لا يقال لهنّ أو يتم تعليمهنّ بأنهنّ أضعف أو أقل من ناحية القدرات والمؤهلات. إذ أنه لو قيل لطالب أن ذكاءه أقل من زملائه، فسيكون هذا عقبة وإعاقة كبيرة جدًا في طريق تقدّمه. يجب أن يتم تشجيعه على التقدّم حسب بيان: "أنت تتمتّع بقدرات كبيرة جدًا، إذا ما ثابرت، ستبلغ أسمى المراتب". عبد البهاء، ترويج الصلح العمومي ص ٧٦-٧٧ (النساء، رقم ١٠٩)

(٤) مقتطفات من آثار عبد البهاء، ۲۲٧، ص ۲۰۳ (النساء، رقم ١٦)


النص الإنجليزي:

Empowering Girls
BIC Document #98-0303
Category: Advancement of Women


%
تقدم القراءة
- / -