الدين البهائي
"لتكن رؤيتكم عالمية ..." -- حضرة بهاء الله
"لو رزقت قليلًا من زلال المعرفة الإلهيّة لعرفت بأنَّ الحياة الحقيقيّة هي حياة القلب لا حياةُ الجسد ..." -- حضرة بهاء الله
"إن دين الله ومذهب الله يهدف إلى حفظ واتحاد واتفاق العالم والمحبة والألفة بين اهل العالم." -- حضرة بهاء الله

حشد الموارد المؤسساتية و القانونية و الثقافية لتحقيق المساواة بين الجنسين

بيان صادر عن الجامعة البهائية العالمية، موجه إلى الجلسة (٥۲) لمفوضية وضع المرأة


نيويورك

۱ شباط/فبراير ٢٠٠٨


لقد أصبح الدور المحوري الذي تحتله الفتيات والنساء في تطور الأسرة و المجتمعات والشعوب واضحاً: فالنساء هن المربيات الأوائل للجيل القادم؛ وتعليمهن له تأثير كبير جداً على صلاح ورفاه الأسرة من النواحي الجسمانية والاقتصادية والاجتماعية؛ كما أن مشاركتهن في النواحي الاقتصادية تزيد الإنتاجية وتساهم في التقدم الاقتصادي؛ ويرتبط حضورهن في الحياة العامة بمستوى أفضل من الحُكم والإدارة وكذلك بدرجات أقل من الفساد. ولكن، حتى الآن لم تحقق أية دولة مساواة تامة بين الجنسين. وبينما تتحمل النساء أكثر النتائج المباشرة لعدم المساواة المستعصية هذه، إلا أن التقدم في جميع مجالات المجتمع الإنساني قد تباطأ بحرمان نصف سكان العالم من تحقيق مقدراته وقابلياته.


لقد صدر خلال العقود الماضية وثائق مهمة توضح حقوق المرأة، داعية إلى إنهاء كافة أشكال التمييز ضدها، وترسم سياسات للتقدم بتحقيق المساواة بين الجنسين.(۱) مما لا شك فيه أن التطبيق المنهجي لهذه الإجراءات سيتطلب إعادة تفكير متأنٍ في الأولويات المتعلقة بالميزانية وعملياتها. إلا أن تمويل هذه الجهود ليس سوى جزء واحد من المعادلة. وكما نوهت الجامعة البهائية العالمية في بيانها المقدم إلى المفوضية الـ (٥۱) حول وضع المرأة، فإنه لا زالت هناك هوة عميقة تفصل بين النظامين القانوني والثقافي – المتمثل في القيم والقواعد المؤسساتية – المطلوبة لتحقيق لمساواة الجنسين.(٢) ستطلب المقاربة الشاملة لتمويل المساواة بين الجنسين التعامل مع مجموعة راسخة من العقبات الثقافية والمؤسساتية والقانونية التي تعيق سير التقدم المُلِح لنصف سكان العالم.


من هذا المنظور، فإننا نقدم ثلاثة إجراءات لتؤخذ بعين الاعتبار من قبل الحكومات: (أ) تبني منظور طويل الأمد لتوجيه الجهود قصيرة ومتوسطة الأمد لتمويل المساواة بين الجنسين. (ب) استخدام اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) من أجل تقييم الموازنات الوطنية. (ج) إشراك وجهات النظر والمؤسسات الدينية.


تبني منظور طويل الأمد. لكي يتمكن القادة من صياغة رؤية متناسقة وقوية للمساواة بين الجنسين، يتوجب عليهم الإبتعاد عن أسلوب العمل المتسم بطريقته وآلياته التي هي ردود أفعال للأزمات الحادثة. بالإضافة إلى الأهداف قصيرة الأمد، عليهم وضع سياسات من منظور طويل الأمد، غير مقيَدين بقيود وطبيعة الدورات الانتخابية. إن انحصار التركيز على الأهداف قصيرة الأمد كثيراً ما يسبب الوقوع ضحية لوضع معايير متواضعة وتوجهات ضيقة الأفق ومواقف تمثل أقل من المستويات المطلوبة. بينما سيُمكّن التوجه طويل الأمد، الممتد عبر عدة أجيال مستقبلية، الحكومات من استكشاف مجموعة أكبر من السياسات والخيارات البرامجية، وأيضاً للأخذ بعين الإعتبار طيف من المساهمات – تشمل أولئك الذين هم من القطاعات غير الحكومية والتجارية والأكاديمية وغير الرسمية.(٣)


إن أول ركن من أركان المقاربة طويلة الأمد هو إيجاد إجماع حول الأهداف الأعم للتنمية والنتائج المرجو تحقيقها. على الحكومات أن تضع أهداف المساواة بين الجنسين من ناحية رفاه المجتمع ككل: فتيانه وفتياته، رجاله ونساءه، أمنه وسلامه، صحته ورفاهه، تقدمه الاقتصادي، استقرار بيئته، ومؤسسات الحُكم فيه. ويشتمل الركن الثاني من أركان المقاربة طويلة الأمد على قياس مدى التقدم نحو تحقيق أهداف معينة. حتى في الأحيان التي تكون فيها دولة ما حساسة تجاه البعد المتعلق بالجنسين، فهي غالباً ما تفتقد أدوات وأنظمة المراقبة اللازمة لقياس أثر السياسات الموضوعة على الفتيات والسيدات. وبالتالي، فإنه من الضروري تطوير المؤشرات من أجل تحديد مدى فاعلية المبادرات المالية. وبالنظر إلى تنوع السياق والبيئات المحلية والوطنية، فمن غير العملي إستعمال مؤشرات موحدة تستعمل لكل الحالات – على كل منطقة أن تطور الأدوات الأنسب لظروفها. ان الجامعة البهائية العالمية تتطلع لكي تشارك في النقاشات حول هذه المبادرة الهامة.


موائمة الموازنات الوطنية مع معايير حقوق الإنسان


تتعلق توصيتنا الثانية للحكومات بالتدابير التي يجب إتخاذها من أجل أن تكون الموازنات الوطنية متوائمة مع معايير حقوق الإنسان الدولية. وبعيداً عن أن تكون موازنات الحكومات خالية من الدلالات، فهي تعكس قِيَم الدولة – بمن تهتم، أعمال مَن تُقدر، وما هي المكافآت التي تمنحها.عالمية مساعدة لتيسير التفاهم المتبادل؛ وإعادة توجيه النفقات العسكرية الهائلة نحو غايات وأهداف اجتماعية بناءة(٤) رغم أن الموازنات في العادة لا تصاغ بمنظور شامل للجنسين، إلا ان الإنتشار المتزايد لمبادرات الموازنة التي تهتم بالجنسين تُظهر أن هذه العوالم آخذه في التقارب تدريجياً لكي تصبح عمليات وضع الموازنات متوائمة مع تعهدات الدولة وفقاً لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW). يساعد هذا النوع من التحليل المتعلق بالجنسين في التعرف على نقاط عدم المساواة بين الجنسين في عمليات ومخصصات ونتائج الموازنة؛ كما يُقيّم مسؤوليات الدول في التعامل مع هذه اللامساواة(٥) إلا أنه، لكي تكون المقاربة المبنية على الحقوق فعالة، لابد لها أن لا تقتصر على النساء فحسب، بل أن تأخذ في عين الاعتبار دورة حياتهن بأكملها - منذ الولادة، مروراً بالطفولة إلى الشباب - إذ في هذه المراحل الأولية يبدأ التمييز ويتضاعف.


إن المقاربة المستندة على الحقوق ليست هي دون سابقة. فقد نجحت عدة دول في تمكين النساء سياسياً، وزيادة معدل مشاركتهن في القوة العاملة، وساعدت في تسهيل إيجاد توازن بين العمل والحياة الأسرية.(٦) ستستفيد الحكومات التي تقوم بفحص دقيق لممارسات تلك الدول التي أحرزت قدراً من النجاح في مواجهة هذه المشكلات، التي تبدوا مستعصية. قد تُعد النرويج خير مثال يُنظر إليه، إذ أنها قد حازت على أعلى مرتبة من قبل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (UNDP) المتعلق بالجنسين ومقياس تمكين الجنسين. سيساعد تحليل فعال للسياسات الخاصة بالجنسين والمعوقات القانونية والمؤسساتية والثقافية لتبني هكذا سياسات في مقاطعات أخرى، على صياغة إقتراحات للسياسات مبنية على أساس متين من الأمثلة.


إشراك الأديان والقادة الدينيين


كثيراً ما قاوم صانعوا السياسات مسألة التعامل مع البعد الثقافي والديني للمواقف السلوكية الحاكمة على تعامل الناس مع المرأة- متخوفين من كون هكذا إقدام يحمل بطبيعته إمكانية التقسيم لا التوحيد أو لإفتقارهم المعرفة الكافية بمن عليهم مخاطبتهم وكيفية المضي قدماً في هذا المجال. إلاّ أن الوصول إلى مساواة الجنسين لا زال شديد البطء، بالذات بسبب أن الأسئلة القائمة حول دور ومسؤولية المرأة تتحدى بعض أكثر المواقف السلوكية المترسخه لدى البشر. ونظراً للمقدرة الهائلة للأديان على التأثير على جموع الناس- إيجاباً وسلباً - فلا يمكن للحكومات تجاهلها والإغماض عن دورها.


يأخذ التطرف الديني بالازدهار والنمو في غياب حوار دائم مستدام بين الحكومات والأديان. لقد أحدثت الأصوات الدينية المتطرفة تأثيراً كبيراً على عالم السياسة والسياسة العامة، مستمدة طاقتها في كثير من الأوقات من عوامل الفقر وعدم الاستقرار والتغييرات الاجتماعية والاقتصادية المصاحبة للعولمة وسهولة الاستفادة من تقنية المعلومات. وكان من بين ضحايا هذا التطور هو دور المرأة في الحياة العامة، كما هو واضح في بعض أرجاء المعمورة، بالعودة إلى أفكار ضيقة حول مكانة المرأة في الأسرة والمجتمع والعالم. إن النقص الحاصل في تمويل حقوق المرأة يمكن إرجاعه جزئياً إلى هذه التغييرات الاجتماعية والثقافية. وما يزيد الأمر تعقيداً هو حقيقة أن العديد من الدول ما زالت تختبىء خلف تحفظات ثقافية ودينية تجاه المعاهدات الدولية التي تخص حقوق المرأة. اليوم - وبعد مضي ما يقارب الستون عاماً على تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومضي ۲٦ عاماً على تفعيل إتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة (CEDAW) – لا يسع الحكومات تجاهل المعتقدات والممارسات الدينية التي تخالف بشكل فاضح المعايير العالمية لحقوق الإنسان. لابد من وضع هذه تحت المجهر للفحص والتدقيق.


بالرغم من هذا الواقع الذي يشكل تحدياً، فالمنظمات الدينية تمثل إحدى أقدم الشبكات العالمية وأكثرها تأثيراً على نطاق واسع. كما أنها تُعتبر المؤسسات الوحيدة القائمة في العديد من البلاد التي مزقتها الحروب. وفي مجلات الصحة والبيئة وتخفيف أعباء الديون والمساعدات الإنسانية، كانت جهود المنظمات الدينية في مقدمة الأعمال الهادفة للوصول إلى المناطق المُهمَلة والتأثير على السياسات الحكومية. إضافة إلى ذلك، فبالنظر إلى التأثير الكبير جداً للدين والثقافة في تشكيل الوعي والنظرة بخصوص دور المرأة في المجتمع، يجب إشراك المنظمات الدينية والتابعين لها مشاركة فاعلة في الجهود الرامية إلى تحقيق تقدم في برنامج عمل مساواة الجنسين. بينما في البداية سيبدو هنالك عدم توافق بين لغة المال والاقتصاد ولغة الأخلاق والقيم- المعروفة في الأديان-، إلا أنه على كل من الحكومات والمنظمات الدينية أن يجهدوا في التعرف أكثر فأكثر على فِكر الطرف الآخر ووجهات نظره – مدركين أن تلك تختص بحقيقة واحدة لا غير. فلا يمكن إيجاد نظام إقتصادي عادل دون الاتفاق على قيم أساسية ؛ كما لا يمكن تحقيق أية أفكار حول الأخلاق والقيم إن كانت بعيدة عن الأوضاع الاقتصادية.


بتبني منظور بعيد الأمد، وببذل الجهد من أجل موائمة الموازنات الوطنية مع التزامات حقوق الإنسان وبإشراك الأديان، تستطيع الحكومات تحريك الموارد المؤسساتية والثقافية والقانونية التي تسهل الجهود نحو تمويل مساواة الجنسين. ولكن لابد أن نتذكر أن تقدم المرأة ليس إمتيازاً، أو ممارسة تقنية، ولا رصاصة سحرية. بل إنها تُعد جزءاً من ممارسة أوسع تهدف الى إيجاد مجتمع منظم تكون فيه العلاقات، سواء أكانت بين الرجال والنساء، أو الآباء وأبنائهم، أو أرباب العمل وعمالهم أو الحكام ومحكوميهم، محكومة بمبادئ العدالة و تتساوق مع أسمى تطلعات البشرية.


الحواشي:

(۱) ميثاق محو كافة أشكال التمييز ضد المرأة، برنامج عمل بكين، قرار مجلس الأمن ١٣٢٥ حول المرأة، السلام، والأمن إلى جانب الأهداف التنموية للألفية، قدمت رؤيا وخطط متكاملة للعمل.

(۲) الجامعة البهائية العالمية (٢٠٠٦). إلى ما هو أكثر من الإصلاحات القانونية: الثقافة والمقدرة من أجل القضاء على العنف تجاه النساء والفتيات. نيويورك

(۳) بالنظر إلى أن الفرد يحتاج إلى ١٧ سنة لإتمام ثقافته الثانوية وما يقرب من ٢٠ سنة لإنهاء التعليم العالي، فإن النظرة بعيدة الأمد يمكن أن تأخذ في الاعتبار وأن تسعى إلى تشكيل الموارد التعليمية للدولة.

(٤) Budlender, D. (ed.) (1996)> The Women's Budget, Institute for Democracy in South Africa, Cape Town.

(٥) Elson, Diane. (2006). Budgeting for Women's Rights: Monitoring Government Budgets for Compliance with CEDAW. United Nations Development Fund for Women (UNIFEM): New York.

(٦) Hausmann, Ricardo, Laura D. Tyson, and Saadia Zahidi. (2007). The Global Gender Gap Report 2007. World Economic Forum: Davos, Switzerland.


النص الإنجليزي:

Mobilizing Institutional, Legal and Cultural Resources to Achieve Gender Equality
BIC Document #08-0201
Category: Advancement of Women


%
تقدم القراءة
- / -