الدين البهائي
"لتكن رؤيتكم عالمية ..." -- حضرة بهاء الله
"لو رزقت قليلًا من زلال المعرفة الإلهيّة لعرفت بأنَّ الحياة الحقيقيّة هي حياة القلب لا حياةُ الجسد ..." -- حضرة بهاء الله
"إن دين الله ومذهب الله يهدف إلى حفظ واتحاد واتفاق العالم والمحبة والألفة بين اهل العالم." -- حضرة بهاء الله

بيان كيفيّة قوّة العلم الحائز لها المظاهر الإلهيّة


السّؤال: من جملة القوى الحائز لها المظاهر الإلهيّة قوّة العلم فما هي حدود تلك القوّة؟


الجواب: إن العلم على قسمين علم وجوديّ وعلم صوريّ، أي العلم التّحقّقيّ والعلم التّصوّريّ، فعلم جميع الخلق بكافّة الأشياء إمّا بالتّصوّر أو بالمشاهدة، يعني أنّهم إمّا أن يتصوّروا تلك الأشياء بقوّة العقل أو يشاهدوها فتنعكس صورها في مرايا القلوب ودائرة هذا العلم محدودة ضيّقة جدّاً لأنّها مشروطة بالاكتساب والتّحصيل.


وأمّا القسم الثّاني المعبّر عنه بالعلم الوجوديّ والتّحقّقيّ فمثله كإدراك الإنسان ومعرفة نفسه بنفسه، مثلاً إنّ عقل الإنسان وروحه واقفان على جميع حالاته وأطواره وأعضائه وأجزائه العنصريّة ومطّلعان على جميع حواسّه الجسمانيّة، وكذلك على قوى نفسه وحواسها وأحوالها الرّوحانيّة، فهذا العلم هو العلم الوجوديّ الّذي يتحقّق به الإنسان وهو يحسّه ويدركه، لأنّ الرّوح محيط بالجسم ومطّلع على حواسّه وقواه، وهذا العلم ليس من قبيل الاكتساب والتّحصيل، بل هو أمر وجوديّ وموهبة محضة، ولمّا كانت حقائق المظاهر الكلّيّة الإلهيّة المقدّسة محيطة بالكائنات من حيث الذّات والصّفات ومتفوّقة عليها وملمّة بالحقائق الموجودة ومطّلعة على جميع الأشياء، فلهذا كان علمهم علماً إلهيّاً لا اكتسابيّاً أي فيض قدسيّ وانكشاف رحمانيّ، فلنضرب مثلاً لإدراك هذه المسألة، الإنسان أشرف الموجودات الأرضيّة ومحيط بعالم الحيوان والنّبات والجماد، يعني إنّ هذه المراتب مندمجة فيه وهو حائز لهذه المقامات والمراتب وحيث أنّه حائز لهذه المقامات فهو واقف على خفاياها ومطّلع على سرّ وجودها هذا مَثَل وليس مِثلاً .


وبالاختصار فالمظاهر الكلّيّة الإلهيّة مطّلعون على حقائق أسرار الكائنات، لهذا يؤسّسون الشّرائع الّتي تناسب وتتّفق مع حال العالم الإنسانيّ، لأنّ الشّريعة هي الرّوابط الضّروريّة المنبعثة من حقائق الكائنات، فمظهر الظّهور يعني الشّارع المقدّس إذا لم يكن مطّلعاً بحقائق الكائنات ولا مدركاً للرّوابط الضّروريّة المنبعثة من حقائق الممكنات فإنّه لا يستطيع ألبتّة وضع شريعة مطابقة للواقع وموافقة للحال، فأنبياء الله هم المظاهر الكلّيّة والأطبّاء الحذّق، وعالم الإمكان بمثابة الهيكل البشريّ والشّرائع الإلهيّة هي الدّواء والعلاج، إذاً فالطّبيب يجب أن يكون مطّلعاً وعالماً بجميع أعضاء المريض وأجزائه وطبيعته وأحواله، حتّى يمكنه أن يرتّب الدّواء النّافع للسّمّ النّاقع، وفي الحقيقة إنّ الحكيم يستنبط الدّواء من نفس الأمراض العارضة على المريض، لأنّه يشخّص المرض ثمّ يرتّب العلاج للعلّة المزمنة، فإن لم يشخّص المرض فكيف يمكنه أن يرتّب العلاج والدّواء، إذاً يجب أن يكون الطّبيب مطّلعاً تمام الاطّلاع على جميع الأمراض وعلى طبيعة المريض وأعضائه وأجزائه وأحواله عالماً بكافّة الأدوية حتّى يصف دواءً موافقاً، إذاً فالشّريعة هي الرّوابط الضّروريّة المنبعثة من حقيقة الكائنات، وحيث أنّ المظاهر الكلّيّة الإلهيّة مطّلعون على أسرار الكائنات فهم عارفون بتلك الرّوابط الضّروريّة الّتي يقرّرون على وفقها شريعة الله.



%
تقدم القراءة
- / -