الدين البهائي
"لتكن رؤيتكم عالمية ..." -- حضرة بهاء الله
"لو رزقت قليلًا من زلال المعرفة الإلهيّة لعرفت بأنَّ الحياة الحقيقيّة هي حياة القلب لا حياةُ الجسد ..." -- حضرة بهاء الله
"إن دين الله ومذهب الله يهدف إلى حفظ واتحاد واتفاق العالم والمحبة والألفة بين اهل العالم." -- حضرة بهاء الله

درجة إدراكات العالم الإنسانيّ ومظاهر الظّهور


السّؤال: ما درجة إدراكات العالم الإنسانيّ وما حدودها؟


الجواب: اعلم أنّ الإدراكات متفاوتة، فأدنى رتبة في الإدراك هي الإحساس الحيوانيّ يعني الحسّيّات الطّبيعيّة الّتي تظهر بقوّة الحواسّ ويقال لها الحسّيّات، ويشترك الإنسان والحيوان في هذا الإدراك، بل إنّ بعض الحيوان أقوى من الإنسان فيها، وأمّا في العالم الإنسانيّ فبحسب اختلافات مراتبه تتنوّع الإدراكات وتتفاوت، وفي الرّتبة الأوّليّة في عالم الطّبيعة هي إدراكات النّفس النّاطقة، وجميع البشر مشترك في هذه القوّة غافلاً كان أم عاقلاً مؤمناً كان أم ضالاًّ، وهذه النّفس النّاطقة الإنسانيّة خلقها الله محيطة ممتازة على سائر الكائنات، ولمّا كانت أشرف الكائنات وممتازة فهي محيطة بالأشياء، وتستطيع قوّة النّفس النّاطقة أن تكشف حقائق الأشياء وتدرك خواصّ الكائنات وتهتدي إلى أسرار الموجودات، فهذه الفنون والمعارف والصّنائع والبدائع والتّأسيسات والاكتشافات والمشروعات كلّها من إدراكات النّفس النّاطقة، وقد كانت في زمن ما سرّاً مكنوناً ورمزاً مصوناً غير معلوم، ثمّ كشفتها النّفس النّاطقة بالتّدريج وأتت بها من حيّز الغيب والخفاء إلى حيّز الشّهود، وهذه أعظم قوّة إدراك في عالم الطّبيعة، وأسمى ما تصل إليه في نهاية جولانها وطيرانها هو إدراكها لحقائق الممكنات وخواصّها وآثارها.


أمّا العقل الكلّيّ الإلهيّ الذّي هو ما وراء الطّبيعة فهو فيض القوّة القديمة، وهذا العقل الكلّيّ الإلهيّ محيط بالحقائق الكونيّة ومقتبس من الأنوار الإلهيّة والأسرار الرّبانيّة، هو قوّة عالمة وليس قوّة متفحّصة متحسّسة، أمّا قوّة عالم الطّبيعة المعنويّة فهي قوّة متفحّصة وتهتدي بتفحّصها إلى حقائق الكائنات وخواصّ الموجودات.


وأمّا القوّة العاقلة الملكوتيّة الّتي هي ما وراء الطّبيعة فهي محيطة بالأشياء وعالمة بها ومدركة لها، ومطّلعة على الأسرار والحقائق والمعاني الإلهيّة وكاشفة للحقائق الخفيّة الملكوتيّة، وهذه القوّة العقليّة الإلهيّة خاصة بالمظاهر المقدّسة ومطالع النّبوّة، وتسطع أشعّة من هذه الأنوار على مرايا قلوب الأبرار الّتي تأخذ قسطاً ونصيباً من هذه القوّة بوساطة المظاهر المقدّسة.


وللمظاهر المقدّسة ثلاثة مقامات، مقام الجسد ومقام النّفس النّاطقة ومقام المظهريّة الكاملة الجلوة الرّبانية، أمّا الجسد فيدرك الأشياء بقدر استطاعة العالم الجسماني، لهذا أظهروا العجز في بعض المواقع، مثلاً يقول كنت نائماً غير واعٍ مرّت عليّ نسمة الله وأيقظتني وأمرتني بالنّداء، أو أنّ حضرة المسيح تعمّد في سنّ الثّلاثين وهبط عليه الرّوح القدس ولم تظهر هذه الرّوح قبل هذا في المسيح، فجميع هذه الأمور راجعة لمقامهم الجسديّ.


أمّا مقامهم الملكوتيّ فمحيط بجميع الأشياء، ومطّلع على جميع الأسرار وعالم بكلّ الآثار وحاكم على جميع الأشياء، سواء أكان قبل البعثة أو بعدها، ولذلك يقول أنا الألف والياء، الأوّل والآخر ما كان لي تغيير ولا تبديل ولن يكون.



%
تقدم القراءة
- / -