الدين البهائي
"لتكن رؤيتكم عالمية ..." -- حضرة بهاء الله
"لو رزقت قليلًا من زلال المعرفة الإلهيّة لعرفت بأنَّ الحياة الحقيقيّة هي حياة القلب لا حياةُ الجسد ..." -- حضرة بهاء الله
"إن دين الله ومذهب الله يهدف إلى حفظ واتحاد واتفاق العالم والمحبة والألفة بين اهل العالم." -- حضرة بهاء الله

عدل الله ورحمته


اعلم أنّ العدل هو إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، مثلاً إذا اشتغل الأجير من الصّباح إلى المساء فإنّ العدل يقضي باعطائه أجرته، والفضل هو إعطاء الأجير وشموله العناية والمنحة لو لم يكدّ ويتعب، مثلاً قد تعطي صدقة أو عطيّة لشخص فقير دون أن يتعب أو يعمل لك عملاً يستحقّ عليه أجراً فهذا هو الفضل، مثلاً إنّ حضرة المسيح طلب المغفرة لقاتليه، فهذا يعتبر فضلاً، وأمّا مسألة حسن الأشياء وقبحها وهل هي معقولة أم مشروعة، فالبعض يعتقد أنّها مشروعة كاليهود الذين يعتقدون أنّ جميع أحكام التّوراة تعبّديّة مشروعة لا معقولة، مثلاً يقولون أنّ من جملة أحكام التّوراة عدم جواز الجمع بين اللّحم والسّمن لأنّه (طرف) ومعنى الطّرف باللّسان العبري غير الطّاهر والكشير الطّاهر، فذلك يعبّر عنه بأمر مشروع ولا يقال عنه معقول، أمّا الإلهيّون فيرون أنّ حسن الأشياء وقبحها معقول ومشروع، فبناء عليه يكون تحريم القتل والسّرقة والخيانة والكذب والنّفاق والظّلم معقولاً، وكلّ عقل يدرك أنّ القتل والسّرقة والخيانة والكذب والنّفاق والظّلم كلّها قبيحة مذمومة، لأنّك لو وخزت إنساناً بشوكة فإنّه يصيح ويئنّ ويتألّم، فيعلم إذاً أنّ القتل مذموم وقبيح عقلاً، وأنّ القاتل يؤاخذ على فعلته سواء أبلغه صوت النّبوّة أم لا، لأنّ العقل يدرك أنّ ذلك مذموم، فالّذين يرتكبون هذه الأعمال القبيحة لا بدّ من مؤاخذتهم، أمّا في حال عدم وصول أوامر النّبوّة لأحد لم تكن أعماله مطابقة للتّعاليم الإلهيّة كقول المسيح مثلاً قابلوا الجفاء بالوفاء، فهذا الأمر إذا لم يصل إلى ذلك الشّخص وعمل حسب مقتضيات الطّبيعة، أي قابل الأذى بالأذى أيضاً فهو معذور دينيّاً، لأنّ أمر الله لم يبلغه. وإن كان ذلك الشّخص لا يستحقّ العناية والألطاف لكن الله يعامله بفضله ويعفو عنه، لأنّ الانتقام أيضاً مذموم عقلاً حيث لا فائدة للمنتقم من الانتقام، ولو اعتدى شخص على آخر مثلاً وانتقم المعتدى عليه وقابل الضّربة بمثلها فأيّة فائدة يجنيها من ذلك؟ هل يكون ذلك مرهماً لجرحه أو علاجاً لألمه استغفر الله! بل كلا العملين في الحقيقة واحد، لأنّ كليهما أذى، ولكن الفرق بينهما هو أنّ أحدهما حدث قبل الآخر، فلهذا لو أنّ المعتدى عليه يعفو بل يقابل الإساءة بالإحسان فهو ممدوح، ولكن الهيئة الاجتماعيّة تقتصّ من المعتدي لا أنّها تنتقم منه، وهذا القصاص للرّدع ومقاومة الظّلم والاعتداء حتى لا تمتدّ يد الآخرين بالاعتداء، ولكنّ المعتدى عليه لو عفا وصفح بل بذل نهاية المحبّة والعناية كان ذلك محبوباً منه.


%
تقدم القراءة
- / -