الدين البهائي
"لتكن رؤيتكم عالمية ..." -- حضرة بهاء الله
"لو رزقت قليلًا من زلال المعرفة الإلهيّة لعرفت بأنَّ الحياة الحقيقيّة هي حياة القلب لا حياةُ الجسد ..." -- حضرة بهاء الله
"إن دين الله ومذهب الله يهدف إلى حفظ واتحاد واتفاق العالم والمحبة والألفة بين اهل العالم." -- حضرة بهاء الله

من آثار حضرة بهاء الله الكتابية


لوح الرئيس - علي باشا (معرّب عن الفارسية) – الواح حضرة بهاء الله الى الملوك والرؤساء - من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل، ص ٧٣.
نبذة عن عالي باشا.


﴿ هُوَ المالِكُ بِالاسْتِحْقاق ﴾


يقول القلم الأعلى يا أيّها الّذي رأيت نفسك أعلى النّاس وزعمت أنّ الغلام الإلهيّ الّذي أضاءت وتنوّرت به عين الملأ الأعلى هو أدنى العباد، لم يزل هذا الغلام لا يتوقّع منك ومن أمثالك شيئاً ولا يزال، وسبب ذلك هو أنّه كلّما تجلّى مظهر من المظاهر الرّحمانيّة ومطالع العزّ السّبحانيّة وقدم من العالم الباقي إلى هذه العرصة الفانية من أجل إحياء الأموات، زعم أمثالك أنَّهم من أهل الفساد واعتبروهم من المقصّرين، مع أنّ إصلاح العالم أنيط بتلكم النّفوس المقدّسة والهياكل الأحديّة، قَدْ قَضَى نَحْبَهُمْ فَسَوْفَ يَقْضِي نَحْبَكَ وَتَجِدُ نَفْسَكَ فِي خُسْرَانٍ عَظِيمٍ، بزعمك أنّ محيي العالم هذا ومصلحه مفسد ومقصّر فما هو تقصير جماعة من النّساء وصغار الأطفال والمرضعات اللّواتي وقعن فريسة سياط القهر والغضب، لم يكن الأطفال مقصّرين في أيّ مذهب أو ملّة، وقد رفع عنهم قلم الحكم الإلهيّ لكنّ شرارة ظلمك واعتسافك أحاطت الجميع، فإن كنت من أهل مذهب أو ملّة فإن الأطفال غير مسؤولين في جميع الكتب الإلهيّة والزّبر القيّمة والصّحف المتقنة، ناهيك عن أولئك الّذينَ لا يعترفون بالله فإنّهم لم يرتكبوا مثل هذه الأمور، لأنّه يترتّب على كلّ شيْءٍ أَثر ولم ينكر أحد آثار الأشياء إلاّ الجاهل الّذي حرم من العقل والدّراية حرْماناً كلّيّاً، لذا لا بدّ لأنين هؤلاء الأطفال والمظلومين وحنينهم من أثر، نهبت أموال أناس لم يرتكبوا قطّ أيّة مخالفة في بلدكم ولم يعصوا الدّولة بتاتاً فهم منزوون ومشغولون بذكر الله ليلاً ونهاراً وضاع ما كان لديهم ظلماً، وحينما صدر الأمر بخروج هذا الغلام جزع هؤلاء لأنّ الدّولة لم تصدر أمراً بنفيهم، لو ودّوا بأنفسهم مرافقتكم لا يمنعهم أحدٌ من ذلك، فتحمّل هؤلاء الفقراء مصاريفهم وضحّوا بجميع أموالهم قانعين بلقاء الغلام، وهاجروا متوكّلين على الله مع الحقّ مرّة أخرى حتّى بات حصن عكّاء مقرّ سجن البهاء، وبعد الورود أحاط ضبّاط العسكر الجميع وأنزلوا الكلّ من الإناث والذّكور والصّغير والكبير في ثكنة الجيش، وفي اللّيلة الأولى منع الكلّ من الأكل والشّرب حيث وقف ضبّاط العسكر على باب الثّكنة ومنعوا الجميع عن الخروج ولم يفكّر أحد بهؤلاء الفقراء بدرجة أنّهم طلبوا الماء فلم يستجب أحد لهم، وتمضي علينا فترة من الزّمن وكلّنا محبوسون في الثّكنة مع أنّنا مكثنا في أدرنة خمس سنوات حيث شهد على تقديس هؤلاء العباد وتنزيههم جميع أهل البلد من العالم والجاهل والغنيّ والفقير، وفي حين مغادرة الغلام فدى أحد أحبّاء الله بنفسه حيث لم يستطع أن يرى هذا المظلوم في أيدي الظّالمين، ولقد بدّلوا السّفينة في الطّريق ثلاث مرّات ومن الواضح مدى المشقّة الّتي عاناها الأطفال حين نقلهم من سفينة إلى أخرى، وبعد مغادرة السّفينة عزلوا أربعة من الأحبّاء ومنعوهم عن مرافقتنا، فرمى أحد هؤلاء الأربعة المسمّى بعبد الغفّار نفسه في البحر بعد خروج الغلام فلم يتبيّن من أمره شيءٌ، وما ذكر ليس إلاّ رشحٌ من بحر الظّلم الوارد علينا ومع ذلك لم تكتفوا ففي كلّ يوم يجري المأمورون حكماً ولم يكد ينتهي تنفيذه حتّى يلتهوا لمكر جديد في كلّ اللّيالي والأيّام، يأتون كلّ يوم بثلاثة أرغفة للأسراء من خزينة الدّولة ولا يستطيع أحد أن يأكلها، فمنذ بداية العالم حتّى الآن لم يُسمع ولم يُشاهد ظلم كهذا، فَوَالَّذِي أَنْطَقَ البَهَاءَ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ شَأْنٌ وَلا ذِكْرٌ عِنْدَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَرْوَاحَهُمْ وَأَجْسَادَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ حُبَّاً للهِ المُقْتَدِرِ العَزِيزِ القَدِيرِ.


إن قبضة من الطّين عند الله أعظم من مملكتكم وسلطنتكم وعزّتكم ودولتكم وَلَوْ يَشَاءُ لَيَجْعَلَكُمْ هَباءً مُنْبَثَّاً، وَسَوْفَ يَأْخُذُكُمْ بِقَهْرٍ مِنْ عِنْدِهِ وَيَظْهَرُ الفَسَادُ بَيْنَكُمْ وَيَخْتَلِفُ مَمالِكُكُمْ، إِذاً تَنُوحُونَ وَتَتَضَرَّعُونَ وَلَنْ تَجِدُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ مُعِينٍ وَلا نَصِيرٍ، لسنا نقول ذلك لكي تنتبهوا لأنّ الغضب الإلهيّ أحاطكم بحيث إنكم لن تنتبهوا، وكذلك ليس من أجل أن تذكر المظالم الواردة على النّفوس الطّيبة، ذلك لأنّهم تهيّجوا من الخمر الرّحمانيّ وأخذهم سكر سلسبيل العناية الإلهيّة على شأن لو أصابهم ظلم العالم في سبيل الله فهم راضون بل شاكرون، لم ولن يشكوا قط بل دماؤهم ترجو في أبدانهم وتسأل ربّ العالمين في كلّ حين لكي تهرق في سبيله، وكذلك تتأمّل رؤوسهم أن ترفع فوق السّنان في سبيل محبوب قلوبهم وأرواحهم. نزّل عليكم البلاء عدّة مرّات ولم تنتبهوا، مرّة حدث حريق احترق به معظم المدينة بنار العدل بحيث أنشد الشّعراء قصائد ذكروا فيها أنّه لم يحدث حتّى الآن مثل ذلك الحريق، ومع ذلك زادت غفلتكم وكذلك سُلِّطَ عليكم الوباء ولم تتنبّهوا ولكن عليكم أن تترقّبوا لأنَّ الغضب الإلهيّ لبالمرصاد وعن قريب ستشاهدون ما صدر من قلم الأمر، أحسبتم عزّتكم خالدة أو ملككم باقياً لا ونفس الرّحمن فلا عزّتكم باقية ولا ذلّتنا تدوم، هذا الذّلّ فخر كل عزّة ولكن لدى الإنسان، لمّا كان هذا الغلام طفلاً ولم يبلغ أشدّه بعد أراد الوالد أن يزوّج أكبر إخواني في طهران، وكما هي العادة في ذلك البلد كانت مجالس الفرح والسّرور قائمة لمدّة أسبوع ليلاً ونهاراً، وفي اليوم الأخير أعلن أنّ اليوم سيعرض مرسح السّلطان سليم وحضر جمّ غفير من الأمراء والوجهاء وأركان البلد وكان هذا الغلام جالساً في إحدى غرف العمارة مُتفرّجاً، أقيمت خيمة في صحن العمارة ثمّ رأينا دمى بهيئة الإنسان تبدو قامة كلّ واحدة منها بمقدار شبرٍ، فخرجت الدّمى من الخيمة منادية: ضعوا الكراسي لأنّ السّلطان آتٍ! ثمّ بعد ذلك خرجت دمى غيرها بدأت تكنس الأرض وعدد آخر منها يرشّ الماء، ثمّ نادى رجل آخر قيل أنّه منادي السّلطان جاء ليجهر بالحضور حتّى يستعدّوا لِتَحيَّةِ السّلطان، وتبعه جمع يلبسون الشّال والقلنسوة كما هو عادة العجم، وفئة أخرى يحمل كلّ واحد منهم طبرزيناً وكذلك فريق من الفرّاشين والجلاّدين في أيديهم عصي وفلق ووقف كلٌّ في مكانه، ثمّ قدم شخص ذو شوكة سلطانيّة وتاج ملوكيّ بمنتهى التّبختر والجلال يتقدّم مرّة ويتوقّف أخرى وهو في غاية الوقار والهدوء والاطمئنان واستقرّ على العرش الموضوع، فدوى صوت المدافع والأبواق حين جلوسه وأحاط الدّخان الخيمة والسّلطان، وبعد انقشاع الدّخان شوهد السّلطان جالساً والوزراء والأمراء والأركان في أماكنهم واقفين في حضرته، وفي هذه الأثناء قبض على سارق وأحضر بين يديّ السّلطان حيث أمر بقطع رقبته، فبادر رئيس الجلاّدين فوراً بضرب عنقه فجرى ماء أحمر يشبه الدّم، ثمّ بعد ذلك تحدّث السّلطان بعض الشّيء مع الحضور، وفي ذلك الوقت وصل خبر آخر وهو أنّ منطقة ما في تخوم البلاد عصت على الحكم فأمر السّلطان بإرسال أفواج من الجنود مع المدفعيّة إلى منطقة العصيان وذلك بعد تفقّد معسكره، وما أن مضت دقائق معدودة حتّى سمع دويّ المدافع من خلف الخيمة فأعلن أنّهم مشغولون بالحرب، بات هذا الغلام متامّلاً ومتحيّراً يفكّر في تلك الدّمى والمرسح فانتهت مراسيم السّلام وأسدل ستار الخيمة وبعد مرور عشرين دقيقة على وجه التّقريب خرج رجل من وراء الخيمة متابّطاً جعبة، سألته ما هذه الجعبة وما حقيقة تلك الدّمى والمرسح؟ قال جميع ما عرض من الأدوات المنبسطة والأشياء المشهودة والسّلطان والأمراء والوزراء والجلال والاستجلال والقدرة والاقتدار موجود الآن داخل هذه الجعبة، فَوَرَبِّي الَّذي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ بِكَلِمَةٍ مِنْ عِنْدِهِ ما زال كلّ أسباب الدّنيا يبدو في نظر هذا الغلام منذ ذلك اليوم كذلك المرسح ولا يزال دون أيّ اعتبار ولو بقدر حبّة خردل.


كنت أستغرب كثيراً من النّاس يفتخرون بمثل هذه الأمور غير أنّ المتبصّرين منهم قبل أن يروا جلال كلّ ذي جلال يشاهدون زواله بعين اليقين ما رَأَيْتُ شَيْئَاً إِلاَّ وَقَدْ رَأَيْتُ الزَّوالَ قَبْلَهُ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدَاً، ومن واجب كلّ فرد أن يمضي أيّامه القليلة هذه بالصّدق والإنصاف، فإن لم يفز بعرفان الحقّ فأقلّ ما يقدر أن يقوم به هو أن يسلك سبيل العقل والعدل، إنّ جميع هذه الأشياء الظّاهرة والخزائن المشهودة والزّخارف الدّنيويّة والعساكر المصفوفة والألبسة المزدانة والنّفوس المتكبّرة بمثابة تلك الجعبة وستستقرّ قريباً في جعبة القبر، وكان وما يزال كلّ هذا الجدال والنّزاع وأسباب الفخر بنظر أهل البصيرة كملعبة الصّبيان، اعْتَبِرْ وَلا تَكُنْ مِنَ الَّذِينَ يَرَوْنَ وَيُنْكِرُونَ، مضى ما مضى على هذا الغلام وأحبّاء الله لأنّهم جميعاً اسراء ومبتلون وكانوا ولا يزالون غير متوقّعين من أمثالك شيئاً قطّ، والقصد من ذلك أن تنهض من فراش الغفلة وتستعيد وعيك ولا تتعرّض لعباد الله دون سبب، كونوا بصدد دفع ضرّ عن مظلوم ما دامت لديكم قدرة وقوّة، فإن تنصفوا قليلاً وتنظروا إلى أمور هذه الدّنيا الفانية واختلافاتها بعين اليقين تعترفوا بأنّها تشبه تماماً ذلك المرسح المذكور، اسمع كلام الحقّ ولا تغترّ بالدّنيا، أَيْنَ أَمْثَالُكُمْ الَّذِينَ ادَّعَوا الرُّبُوبِيَّةَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ، وَأَرَادُوا أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ فِي بِلادِهِ وَيُخَرِّبُوا أَرْكَانَ البَيْتِ فِي دِيَارِهِ، هَلْ تَرَوْنَهُمْ؟ فَأَنْصِفْ ثُمَّ ارْجَعْ إِلَى اللهِ لَعَلَّهُ يُكَفِّرُ عَنْكَ ما ارْتَكَبْتَهُ فِي الحَيَاةِ البَاطِلَةِ وَلَوْ أَنَّا نَعْلَمُ بِأَنَّكَ لَنْ تُوَفَّقَ بِذلِكَ أَبَدَاً، لأَنَّ بِظُلْمِكَ سُعِّرَ السَّعِيرِ وَنَاحَ الرُّوحُ وَاضْطَرَبَتْ أَرْكانُ العَرْشِ وَتَزَلْزَلَتْ أَفْئِدَةُ المُقَرَّبِينَ.


يا أهل الأرض اسمعوا نداء هذا المظلوم بآذان الرّوح وتفكّروا مليّاً في المَثَل الّذي ذكرناه عسى أن لا تحترقوا بنار الأمل والهوى ولا تمنعوا أنفسكم عن الحقّ بحكم زخارف هذه الدّنيا الدّنيئة، إنّ العزّة والذّلّة والفقر والغناء والمشقّة والرّاحة كلّها عابرة وسيرجع قريباً جميع من على الأرض إلى القبور، لذا بنظر كلّ ذي بصر إلى المنظر الباقي عسى أن يدخل بعناية السّلطان الأبديّ إلى الملكوت الباقي ويسكن في ظلّ سدرة الأمر، وبالرّغم من أنّ الدّنيا هي موطن المكر والخدعة غير أنّها تنذر النّاس جميعاً بالفناء في كلّ حين، فنفس رحيل الأب بمثابة نداء للابن ينذره: بأنّك راحل أيضاً، يا ليت أهل الدّنيا الّذين ادّخروا الزّخارف وحُرموا بها عن الحقّ كانوا يعلمون لمن يعود ذلك الكنز، لا وَنَفْسِ البهاء لا يعلم أحد إلاّ الحقّ تعالى شأنه، قال الحكيم السّنائي عليه الرّحمة (ما معناه): "يا أيُّها الّذين تحوّل نور قلوبكم بالظّلمة اتّعظوا ويا من تبدّل سواد عذاركم بالبياض استنصحوا" ولكن أكثرهم نيام ومثلهم كمثل الّذي كان سكراناً من خمر النّفس والهوى فأخذ يداعب كلباً ويظهر له محبّته ويحتضنه فلمّا بزغ فجر وعيه وأصبح أفق السّماء منيراً من أنوار الشّمس السّاطعة وجد أنّ معشوقه أو معشوقته كان كلباً فعاد إلى مقرّه خائباً خاسراً نادماً، لا تحسبنّ أنّك أذللت هذا الغلام أو تغلّبت عليه بل إنّك مغلوب أحد العباد دون أن تشعر بذلك، ويحكم عليك أذلّ المخلوقات وأحطّهم وهو النّفس والهوى اللّذان ما زالا مردودين، واقتضت الحكمة البالغة أن لا تدرك ضعفك وضعف من على الأرض، فهذه الذّلّة (أي ذلّتنا) ما هي إلاّ عزّة للأمر لو كنتم تعرفون، لقد دأب هذا الغلام وما يزال لا يحبّذ كلمة تغاير الأدب والأدب قميصي به زَيَّنَّا هياكل المقرّبين، ولولا ذلك لذكر في هذا اللّوح بعض الأعمال الّتي زعمتموها مستورة، يا صاحب الشّوكة لم يكن هؤلاء الأطفال والفقراء إلى الله بحاجة إلى ضبّاط وعساكر، بعد وصولنا إلى گليبولي حضر إلينا من يدعى عمر وهو برتبة بين باشي والله يعلم ما تكلّم به وبعدما تحدّث طويلاً في براءة نفسه وذكر خطيئاتكم، قال هذا الغلام بأنّه كان من الضّروري قبل كلّ شيء أن يعيّنوا مجلساً يجتمع فيه هذا الغلام مع علماء العصر ليتبيّن ما هو جرم هؤلاء العباد وأما الآن قضى وأمضى، وأنت حسب قولك مأمور بأن تحبسنا في أخرب البلاد غير أنّ لي مطلباً واحداً أرجو عرضه على حضرة السّلطان إن استطعت وهو أن يقابله هذا الغلام لمدّة عشر دقائق وذلك كي يطلب السّلطان ما يعتبره حجّة ودليلاً لصدق قول الحقّ، فإن أوتي ذلك من عند الله يطلق سراح هؤلاء المظلومين ويتركهم وشأنهم، فتعهّد بإبلاغ السّلطان كلمتنا هذه ويأتي بالرّدّ، غير أنّه ذهب ولم يصل منه أيّ خبر، هذا وبالرّغم من أنّه ليس من شأن الحقّ أن يحضر لدى أحد حيث إنّ الجميع خلقوا لطاعته ولكننا قبلنا ذلك رحمة بهؤلاء الأطفال الصّغار وجمع من النّساء الّذين ظلّوا بعيدين عن أحبابهم وديارهم، ومع ذلك لم يظهر أيّ أثر، فعمر موجود وحاضر وبإمكانكم أن تسألوه ليظهر لكم الصّدق، ولقد وقع الآن كثيرون منهم فريسة المرض في سجنهم ولا يعلم ما ورد علينا إلاّ الله العزيز العليم، وفي الأيّام الأولى من دخولنا السّجن صعد إلى الرّفيق الأعلى اثنان من هؤلاء العباد وقد أصدر الحكم يومه بعدم تشييع جثمانهما الطّاهرين إلاّ بعد دفع تكاليف الدّفن والكفن بالرّغم من أنّ أحداً لم يطلب منهم خدمة، ومن الصّدف لم يكن في ذلك الحين لدينا شيءٌ من الزّخارف الدّنيويّة ومهما طلبنا إليهم أن يتركوا لنا أمر حمل النّعشين لتحملهما النّفوس الموجودة رفض ذلك أيضاً، حتّى بيعت سجّادة لنا في المزاد ودفعت قيمتها للمأمورين، غير أنّه تبيّن بعد ذلك بأنّهم حفروا الأرض قليلاً ودفنوا الجسدين الطّاهرين في مقام واحد، مع أنّهم قبضوا ضعف ما يلزم للكفن والدّفن، إنّ القلم عاجز واللّسان قاصر عن ذكر ما ورد، ولكن سموم هذه البلايا كلّها أعذب من الشّهد في مذاق هذا الغلام، يا ليت ينزل في سبيل الله ومحبّته ضرّ العالمين في كلّ حين على هذا الفاني في بحر المعاني، نسأله تعالى صبراً وحلماً لأنّكم ضعفاء جاهلون، فلو كنت شاعراً وفائزاً بنفحة من النّفحات المتضوّعة من شطر القِدم لنبذت كلّ ما لديك، وأنت مسرور بها، ولسكنت في إحدى الغرف الخربة في هذا السّجن الأعظم، أطلب من الله لكي تبلغ إلى الرّشد وتلتفت إلى حسن الأعمال والأفعال وقبحها وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى.



%
تقدم القراءة
- / -