الدين البهائي
"لتكن رؤيتكم عالمية ..." -- حضرة بهاء الله
"لو رزقت قليلًا من زلال المعرفة الإلهيّة لعرفت بأنَّ الحياة الحقيقيّة هي حياة القلب لا حياةُ الجسد ..." -- حضرة بهاء الله
"إن دين الله ومذهب الله يهدف إلى حفظ واتحاد واتفاق العالم والمحبة والألفة بين اهل العالم." -- حضرة بهاء الله

حضرة بهاء الله
صاحب الرسالة الإلهية (١٨١٧-١٨٩٢)

نفوذه بين أهالي بغداد

إن مثل البون الشاسع بين حضرة بهاء الله وميرزا يحيى كتباين النور والظلمة. فالمظهر الإلهي في حقيقة الأمر يسمو فوق البشر، ولا وجه مقارنة بين ينبوع كل الخير وأولئك الذين ينبرون لاعتراضه. إنها حقيقة ليست ماثلة في الجانب الروحي فحسب بل في ظاهر الظاهر حيث يتمتع المظهر الإلهي بنفوذ وقوة ذاتيتين. وهذا حق لا ريب فيه خاصة وأن حضرة بهاء الله هو غاية الظهورات الإلهية السابقة.


كانت سيماء المهابة والجلال وعلائم الرهبة والكمال في حضرة بهاء الله ونفوذ كلمته بين الصديق والعدو على السواء، كلها حقائق أذعن لها ألد أعدائه.... فكان سمو مجده يعلو كل شيء، وكل من حظي بمحضره كان يشعر بالصغر أمامه. حتى أعدائه لم يقووا إلا على التواضع عندما تشرفوا بزيارته، كما خضع المسئولون في سجن سياه ﭽال في طهران أمام عظمته مع أنه كان في الزنزانة مكبّلا بالأغلال. وعندما أطلق سراحه من السجن واقتيد إلى مقر الصدر الأعظم في طهران، لم يستطع الأخير تصدر الجلسة بالكلام بل نطق حضرة بهاء الله بما ينبغي بكل ثبات وثقة موبخاً إياه على قصر نظره وعجزه. وكذا الأمر في الآستانة وأدرنة وعكاء عندما ذهل الأعداء والسلطات الدينية والمدنية مما شاهدوه من القوة الروحية التي كان يتمتع بها.


قبل وصول حضرة بهاء الله إلى بغداد، كان البابيون هناك لا يجرؤون على الظهور جماعات أمام الناس خشية الاضطهاد، وكان الأمر الإلهي في نظر العامة بدعة مختلقة يجازف أتباعه بحياتهم إن هم جاهروا به. ومع ذلك قرر حضرة بهاء الله حال وصوله أن يظهر علانية، وغالبا ما كان يسير في شوارع بغداد وأسواقها ويتردد على مقاه معينة، ومع أن أهالي بغداد كانوا يعرفون بأنه زعيم دين جديد حديث العهد، فقد سحرهم بمحبته الأصيلة وهيبته ووقاره وحاز على إعجاب الكثيرين منهم.


لقد أخضع حضرة بهاء الله بجلاله أعداء الأمر وخصومه. ونسوق هنا مثالا واحدا على ذلك: في الأيام الأولى لإقامة حضرة بهاء الله في بغداد، وكان ذات مرة يسير بصحبة بعض الأحباء بجانب عزبة الأمير علي شاه، ظل السلطان(1)، طرق مسمعه عبارة يقصد منها تحقير الأمر الإلهي [الدين البابي حينذاك] من بعض العاملين في منزل الأمير. وعلى الفور التفت حضرة بهاء الله إليهم ووبخهم بعنف على سلوكهم وطالب بمعاقبتهم من قبل سيدهم. ووجه كلامه إلى الحشد طالباً منهم أن يذكّروا الأمير بأن لا عظمة السلطان ناصر الدين شاه ولا أبهته ولا كل الاضطهادات التي أنزلها استطاعت أن تؤثر، ولو بشكل ضئيل، على أتباع حضرة الباب. وفشلت كل المحاولات في إضعاف روحهم أو كسر معنوياتهم. لذلك سوف تكون معارضة الأمير لهم أقل تأثيراً. كان وقع هذه الكلمات شديداً بحيث أقدم الأمير على معاقبة رجاله وأرسل ابنه شجاع الدولة للاعتذار من حضرة بهاء الله.


ولمدة لا تقل عن ثماني سنوات عاش المظهر الكلي الإلهي بين أهالي بغداد بكل حرية. تجوّل بينهم وجالسهم وأفاض عليهم من محبته وعنايته. ومع أنه لم يكشف لهم عن مقامه، فإن العديد من الناس من مختلف المنابت والأصول انجذبوا بشخصيته وتاقوا لمحضره ولسماع كلماته أو حتى الفوز بلمحة خاطفة منه أثناء تجواله على شاطئ دجلة وهو مستغرق في تأملاته.


%
تقدم القراءة
- / -